في فترة إجازة الصيف ثمة متسع من الوقت يحار البعض أين يمضيه، فليس السفر بالأمر المتاح للجميع، لكن إلى أين يمكن للمرء أن يتجه بنفسه أو بأسرته، وليس ثمة دور للسينما تعرض ما تم انتقاؤه من الأفلام العالمية الجيدة فضلاً عن تشجيع صناعة الأفلام المحلية التي ينشط فيها كثير من الجيل الشاب، وفي المقابل لا يجدون لعرضها وسيلة سوى عبر بعض المهرجانات الخارجية، كما أنه لا عروض مسرحية راقية وجميلة متوافرة في الصيف يمكن أن يقصدها أفراد الأسرة، ولا متاحف مشرعة أبوابها لاستقبال الزائرين، أو مكتبات أحياء مشجعة على تمضية بعض الوقت بين رفوف الكتب، ولا معارض تشكيلية متاحة بشكل دائم تستقطب الزوار، ولا مؤسسات ثقافية أو أندية أدبية تقيم فعاليات تشجع على الحضور.
ما يجعل التسلية المضمونة في هذا الفصل هي كل ما يحيل الفرد السعودي إلى كائن استهلاكي بالدرجة الأولى لا يعرف من سبل التسلية غير المطاعم التي لا يراعي العديد منها الاشتراطات الصحية أو المتعة البصرية أو تقديم الخدمة المتميزة، إضافة إلى المقاهي التي تستنزف بلا رحمة موازنة المواطن بأسعارها الباهظة، والمجمعات التجارية التي لا تعود على المرء سوى بالصرف غير المدروس وعدم تقدير قيمة الوقت، وجميعها عاجزة عن أن تضيف لرصيد قاصدها رصيداً علمياً أو معرفياً أو تربوياً.
فلماذا عوضاً عن أن توصد الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة أبوابها أو تستمر في رتمها المعتاد في إقامة أمسياتها المضجرة التي تعاني من الأساس من قلة الحضور، لماذا لا تتعاون وتنشط في عمل برنامج صيفي يحسب للقائمين عليها، يتضمن المساهمة في إقامة فعاليات ومهرجانات ثقافية متنوِّعة ومنتقاة وكذلك معارض تشكيلية.. إضافة إلى عمل مهرجانات للمسرح، وأخرى للقراءة وتقام من خلالها مكتبات متنقلة في الأحياء والمجمعات التجارية والحدائق العامة والمطارات لتشجيع الأفراد على القراءة، إضافة إلى العمل على توزيع مطبوعات الأندية الأدبية التي علاها الغبار وهي مكدسة في أقبية الأندية الأدبية.
لماذا لا تُقام أمسيات شعرية وقصصية وكذلك ورش للرسم في الحدائق والأماكن العامة لتربية الذائقة الفنية لدى الناس وإشاعة الإحساس بالجمال وإيقاظ الحس الفني وكسر حدة الملل، وتعريف الناس بالمبدعين وردم الهوة القائمة بين المبدعين وبقية أفراد المجتمع؟
بإمكان الأندية الأدبية أو وزارة الثقافة طرح استبانات في المجتمع لرصد أهم الأنشطة والفعاليات الثقافية التي يمكن أن تستقطب أفراد المجتمع وتلبي احتياجاتهم ويطلب من المؤسسات التجارية والبنوك دعمها وهذا أقل ما يمكنهم أن يقدموه، فعبر الأنشطة الثقافية المقامة في الأماكن العامة يمكن اكتشاف وتشجيع العديد من المواهب الفتية التي هي لا شك بحاجة للدعم والتشجيع.
فعدد من المراكز والمدارس الأهلية تقيم برامج ثقافية صيفية وورش ودورات بعضها جيد نوعاً ما بيد أن أسعارها ليست في متناول الجميع وبعضها مبالغ فيه. فنحن بحاجة لدمج كافة مجالات الثقافة من شعر وسرد، وصناعة أفلام، ومسرح، وتمثيل وفنون تشكيلية وخطابة وخط في حياة الناس لزيادة الوعي والجمع بين التسلية والتخفيف من ضغوطات الحياة.
وحول مبرر بعض مسؤولي الأندية في عدم إقامة فعاليات صيفية بأن هناك ضعفاً في الحضور فهذا ليس مبرراً للتوقف، بل سبب وجيه لدراسة مسببات الإعراض ومراجعة خطط إقامة الفعاليات والعمل على تحسينها وتجديدها وإضفاء روح العصر عليها.
فقلة الأماكن لدينا التي تجمع بين الترفيه الراقي والثقافة والفعاليات والمهرجانات الجيدة هي أحد أهم أسباب السفر لقضاء الإجازة بالخارج. فعدا الألعاب النارية وسباق الدراجات قد لا تجد شيئاً يُذكر في كثير من الفعاليات التي تُقام في الصيف في الواجهات البحرية والكورنيش.
فلماذا لا تتعاون الهيئة العامة للسياحة والآثار مثلاً مع وزارة الثقافة ممثلة في الأندية الأدبية في إعداد برامج تجمع بين السياحة والثقافة والترفيه معاً؟ فالهيئة كما يذكر تنوي أن تقيم خلال إجازة منتصف الفصل الدراسي الثاني أكثر من 18 مهرجاناً وفعالية سياحية في مختلف مناطق المملكة، ويتوقع نائب رئيس قطاع التسويق والبرامج بالهيئة العامة للسياحة والآثار عبدالله بن سلمان الجهني أن تستقبل مهرجانات هذه الإجازة أكثر من مليون و900 ألف زائر في كافة المناطق.
فهل سيكون للفيلم، والمسرح، والشعر، والقصة والتشكيل وغيرها من الآداب والثقافة والفنون لنا فيها نصيب كما نحلم؟