لا أحد يجهل اسماً لامعاً مثل (عباس محمود العقاد) لامعاً في مجالاتٍ شتى، في الأدب والفكر والسياسة والشعر والنقد والإسلام، وربما ما ترك مجالاً من مجالات الحياة إلا غمس فيها إصبعاً من أصابعه كتابة ونقداً.
هذا الاسم اللامع حصل على شهادة المرحلة الابتدائية فقط، وعلى الرغم من ذلك فهو يعد من أهم الكتاب والنقاد والشعراء في العصر الحديث، وقد وصفه سعد زغلول بالكاتب الجبار، ولذا فإن العقاد لمّا دخل السجن 9 أشهر وخرج وقف على قبر سعد زغلول وقال:
وكنت جنين السجن تسعة أشهر
وها أنا ذا في ساحة الخلد أولد
وصفه زملاؤه في مجلس الشيوخ بأنه دودة كتب. فقال لهم: تصفونني بأنني دودة قراءة أنا كتيبة من الديدان!. كان له ندوة في جزيرة الشاي بحديقة الحيوان نظم فيها قصيدة شبه رواد الندوة بالحيوانات واختار لنفسه الزرافة. كما أنه نظم قصيدة في كلبه بيجو وهي من أطول قصائده.إضافة إلى ذلك فقد كتب العقاد عددا من المقالات عن الحمير منها (ذكاء الحمير وظلم الحمير) وكان لا ينتقد الحمير بل يبدي إعجابه بها. وحين سئل: هل يعرف الأسد الذي ولد في القفص معنى الحرية؟ فأجاب: طبعا يعرف بدليل أنه يمنع نفسه الإنجاب خشية أن يذوق نسله ذل الأقفاص. ولا نعلم سرّا بينا يوضح اهتمام العقاد بالحيوانات إلا كونه ترك الوظيفة وسماها رقيق القرن العشرين وظلّ أعزبا ولم يتزوج. ربما هذه الأسباب جعلته يهتم بالحيوانات. على الرغم من أنه أحب مي زيادة مثله مثل كثير من الأدباء في مصر، ولكنه تحول عنها إلى حب سارة وكتب روايته الوحيدة فيها (سارة) ولم يتزوج بها.
نقل العقاد ندوته إلى بيته في مصر الجديدة وعقدها صباح الجمعة واتهمه خصومه بأنه تعمد ذلك حتى لا يصلي الجمعة. على الرغم من تدينه فقد تربى العقاد منذ صغره على الكتب الدينية وبخاصة كتاب أبي حامد الغزالي إحياء علوم الدين وكتب الصوفية التي تهتم بالتربية الروحية، ولم يكن تدين العقاد وراثة وتقليد بل شعور أيقظه ما في الوجود من نظام وجمال، وعقل يبصر ما في الكون من إبداع وإتقان وكمال.
كما أنه كتب عددا من الدراسات التي تكشف عن تدينه ومن أهمها كتب العبقريات، فهي تشكل رؤية فلسفية إسلامية لقيمة الفرد في الإسلام تعارض الرؤية الماركسية الجمعية التي تذيب الفرد في الجماعة، كما أنه يقدم تصورا مختلفا عن أهم القامات الإسلامية ، فيصف محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه : نبي عظيم وبطل عظيم وإنسان عظيم أما لماذا؟ فلأن محمدا: قد رجح بميزان العبقرية وميزان العمل وميزان العقيدة. ثم يخلص العلاقات القائمة بين محمد والناس قائلا : إن تقدير محمد -عليه السلام- نافع لمن يقدرون محمدا وليس بنافع محمدا أن يقدروه. هذا الملمح يبين لنا مدى اهتمام العقاد في دراساته على مفهوم مفتاح الشخصية فهو يرى أن لكل شخصية مفتاحا يمكن أن تحلل نفسيتها بواسطته وتبرز ما لديها.
وقفات من حياته وأدبه:
- لم يمنع العقاد حصوله على شهادة الابتدائية فقط أن يتعلم الإنجليزية. فشارك في الحياة المصرية والعربية والعالمية. وكتب في حياته مقالات شتى وكتب عدة، إذ كتب العقاد في الفترة ما بين 1942 إلى 1964 أربعين كتاباً وفي عام 1945 أصدر سبعة كتب.
- اشتهر العقاد بمعاركه الأدبية والنقدية، وكان كتاب (الديوان) علامة بارزة في حياته، وظلّ يحتفظ بآرائه وأفكاره فيه، فحين سئل: هل غير رأيه المنشور في كتاب الديوان عن شوقي؟ قال: لم أغير رأيي، وشوقي رجل لا أخلاق له فهو لا يواجهني بنفسه بل يدعو من يدافع عنه. ولم تقف معاركه عند هذا الحد فمعركته مع الرافعي مشهورة ولعلها من أهم المعارك الأدبية التي خاضها العقاد، وكتاب الرافعي المشهور (على السفود). كما أن صداقته التي تجمعه بطه حسين لم تمنع الأخير من انتقاده ولكن بعد وفاة العقاد، حيث صرح طه حسين أنه قرأ عبقريات العقاد ولم يفهم شيئاً. ولم تقف معاركه عند حدود وطنه مصر بل تجاوزه إلى بلدان أخرى فحين انتقده الدكتور عمر فروخ قال العقاد: للمرء أن يقدم أو يؤخر في قراءة أحرف اسمه يعني (خروف).
- اهتم العقاد بالأدب المقارن ففي عام 1916 نشر مقالتين في مجلة المقتطف يقارن فيها بين المعري ودارون وشوبنهور. كما قارن العقاد بين المتنبي ونيتشه في فلسفة القوة في مقالة نشرتها جريدة البلاغ يناير 1924 وأخذ رأيه المستشرق الأسباني غرثية غومث الذي زار مصر في بعثة علمية. كما قارن العقاد بين بخلاء الجاحظ وموليير في مجلة الكاتب أكتوبر 1950 وسماهما موليير العرب وجاحظ الفرنجة لعنايتهما بصفة البخل. ومن هنا يرى بعض النقاد أن العقاد سبق المدرسة الأمريكية النقدية في الأدب المقارن.
- شغف العقاد بالموسيقا وكان يحتفظ بـ 1500 إسطوانة موسيقية وغنائية بصوت سيد درويش وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب.
- دعي للكتابة في مجلة قافلة الزيت الصادرة عن أرامكو ورحب بالفكرة ونشر أول مقالة بعنوان (عنوان وموضوع) في عدد ذي القعدة 1375هـ، كما سجل له تلفزيون أرامكو في الظهران عدداً من الحلقات وهي تمثل ثروة فريدة إذا كانت ما زالت موجودة عندهم.
- كان يكره السفر بالطائرة ولكنه هرب بها إلى السودان بعد أن ألّف كتابه (هتلر في الميزان) وقد توعده النازيون بالقتل. ولكنه سافر - بعد ذلك - إلى جدة بالباخرة وقابل الملك عبدالعزيز وقد وصف العقاد رحلته بمقالتين في مجلة الرسالة عدد يناير وفبراير 1946م.
- أول كتاب للعقاد هو كتاب (خلاصة اليومية) نشر 1912 وآخر كتاب (حياة قلم) نشر قبل أقل من عام على وفاته. وأودع السجن بسبب جرأته وصراحته وكانت عبارته المشهورة :
(إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد من أجل صيانة الدستور). أول خطوة قادته إلى السجن.
- أول قصيدة كتبها العقاد بعنوان مدح العلوم يقول:
علم الحساب له مزايا جمة
وبه يزيد المرء في العرفان
وهي قصيدة تبين شغفه بالعلوم التطبيقية، ولذا جاء اهتمامه بكثير من المعارف المتعلقة بالحيوانات والحشرات.
- للعقاد أربعة كتب لم تنشر بعد هي (صوت من مصر) و(وباء مصر الأخير) و(قصة د. إبراهيم) و(رحلة إلى مصر) وهي من كتب الرحلات.
- توفي العقاد في 13 مارس 1964 وبني له ضريح في أسوان وإلى جواره استراحة ونصب تمثال نصفي له، ما زال مقصداً للزوار والسياح في مصر.