Saturday 06/12/2014 Issue 454 السبت 14 ,صفر 1436 العدد

قَصْفٌ مُنفردٌ على مَقامِ الرَّصْد!

مِنْ حَلْمَـةِ الشِّعْرِ آيـَاتُ الشَّجَا شَجَرُ

تِلْكَ الحَـيَاةُ بِمـا تُـرْدِيْ وتَـبْـتَـذِرُ

فـي طَلِّها شَـرَرٌ ، مِنْ جَمـرِها مَطَـرُ،

ضِـدٌّ بِـضِـدٍّ ، وبالأَضْـدَادِ تَبْـتَـكِـرُ

وما الحَيَـاةُ؟ سِوَى ثَدْيَـيْنِ مِنْ حَجَـرٍ

يَسْقِـيْكَ مـاءً ونـارًا ذلـكَ الحَجَـرُ

لا تَسْـتَـقِـرُّ على حَـالٍ حَـبائِـلُـها

إِنْ أَمْهَـلَتْ أَمَـلًا في مَهْلِهـا النُّـذُرُ

لَـوْ صَحَّ في هذهِ الدُّنيا لنا نَـسَـبٌ

في الرَّاحِلِيْنَ، لَـما جِـئْـنا وما عَبـَرُوا

نَحْنُ بَنُوْ التُّرْبِ، لا أَسـبابَ نَـجْمَعُها

في راحَـتَيـْنا، سِوَى الأَوهامِ نَـدَّخِـرُ

نَحْنُ بَنُوْ الـمَوْتِ، لا أَسفارَ تَـجْمَعُنا

في رِحْلَتـَيـْها، سِوَى التَّاريخِ يُسْتَطَـرُ

***

إِنَّ الحيـاةَ كَـرُؤْيَـا حالِـمٍ خَطَـرَتْ

تَستيقـظُ الـرُّوحُ مِنْها حِـيْنَ تَنْحَسِـرُ

يَـجْـرِيْ، مِعَـنًّا مِفَـنًّا، لا خِطَامَ لَـهُ

يَهـْذِي بِأَنـْجُمِها العُـلْـيَا ويَـنْـبَـهِـرُ

بَـيْـنَـا يُـؤَمِّـلُ فـي الآتِـيْ ويَـرْقُـبُـهُ

يَمْضـِيْ ويَـتْـرُكُـهُ لِلنَّاسِ تَـعْـتَـصِـرُ

ليس الفَقِـيْدُ فَقِيْدَ الـمَوْتِ مُضْطَجِعًا

إِنَّ الفَـقِـيْدَ فَـقِـيْدُ الحُـزْنِ يَـنْصَهِـرُ

ونَحْنُ إذْ نَنْـدُبُ الـمَوْتَـى ونَذْكُـرُهُمْ

فـإِنَّما فَـقْدَنـا نَـبْـكِـيْ ونَدَّكِـرُ

فاكْتُبْ نَهـارَكَ مِنْ أَنـْفاسِ بَـارِحَـةٍ

وارْكَبْ مَعَ اللَّيْلِ نَجْمًا سَوْفَ يَنْكَدِرُ!

***

مُهْـرِيْ تَطِـيْـرُ بِوَجْـهِ الشَّمْسِ غُـرَّتُـهُ

يُوَجِّـهُ الرِّيْـحَ أَنـَّى شَـاءَتِ الفِكَـرُ

والمُهْرَةُ / الشَّهْقَةُ الصَّهْباءُ، تَعْـزِفُـهُ،

ولا عِنَـانَ ، سِوَى ما أَمْـلَتِ البُكَـرُ

الرِّيْـحُ نَــاءَتْ بِـأَضواءٍ تُـوَزِّعُـهـا،

مَعْزُوْفَـتَيْ عُـمُرٍ، يَعلُوْ ، فَـيَـنْـكَسِـرُ

إذْ يُـزْهِـرُ الفَـرَحُ المَـخْـبُـوْءُ في دَمِـهِ

وجَـمْـرَةُ السَّاعَـةِ الشَّقْراءِ تَـنْـهَمِـرُ

يَهْــوِيْ على رَفَّــةِ الأَوتَـارِ بُـلْـبُـلُـهُ

وتَسْـتَـمِـرُّ بِـناعِـيْ حَـيِّـهِ الـمِـرَرُ

يَهْمِـيْ قَنادِيْلَ في عَيْنَيـْكِ ، كاهِـنَـتِيْ،

مِنْ شُرْفَةِ الأَنـْجُمِ الخَرْسَاءِ تَنْحَـدِرُ

يَـذْوِيْ ويُزْهِـرُ والأَشجـارُ حُجَّـتُـهُ

مَن لِـيْ بِحُجَّـتِـهِ العَذراءِ تَعْـتَذِرُ؟!

***

يـا بِـنْتَ شَمْسِ زَمَـانٍ لا أَرَاهُ بِهـا

شَـذَا الدِّنَـانِ يُنَادِي : ها هُوَ السَّحَـرُ

آنَ الرَّحِيْلُ بِنا، استَيْـقِظْ، فِداكَ فَـمِـيْ

هذا القِطَـارُ بِقَـلْـبِيْ ما لَـهُ عُـمُـرُ

مِنْ جُلَّـنَـارِ شِفاهِـيْ، الشَّهْدُ تَرْشُفُـهُ

كُلُّ العَصافيرِ، وافَتْ رِيْشُها العُصُـرُ

انْهَضْ بِيَ، ابْنَ أَبِـيْ، وارفَعْ لِواءَ دَمِيْ

قد آنَ أَنْ تَشْتَـفِـيْ مِنْ ثَأْرِكَ الدُّهُـرُ!

***

يَـنْمَـاثُ قَلْبِيْ على أَثـْـبَـاجِ هاتِـفِها

في ذاتِ وَجْدٍ بِغُصْنِ الرُّوْحِ يَشْتَجِـرُ

بِـيْ زَهْـرَةٌ لم تُجـَاوِزْ عُمْـرَ لَـيْـلَتـِها،

رَيَّـا بِعُمْـرُ اللَّـيَالِـيْ ، والدُّنَى زَهَـرُ

أَيا حَـبِـيْـبَـةَ شِعْـرِيْ ، شَـفَّهـا ظَمَـأٌ

مِنْكِ عُـرُوْقُ سَمَائِـيْ ، والمَدَى مَطَـرُ

القَحْـطُ يَـشْرَبُ مِنِّيْ كَـفَّ بَـارِقَـتِيْ

كَـأنَّ قَـفْـرَ دَمِـيْ دَيْـمُوْمَـةٌ شَـرَرُ!

ويا غَـزالَـةَ مِـحرابِـيْ الجَـدِيْـدِ ، أنا

فـي ذِمَّـةِ اللُّغَـةِ الإِشْـراقِ أَنْـتَـظِـرُ

صَلِّيْ بِأَمْسِيْ لِيَوْمِيْ، شَطْرَ وَجْهِ غَدِيْ،

أَنـْـتِ الإِمَـامُ الذي تَأْتـَمُّـهُ السُّـوَرُ!

***

يُـحَلِّـقُ الشَّـوْقُ ، حَتَّى لا سَـماءَ لَـهُ

مِنَ السَّماءِ، وما في الأَرْضِ مُـنْـهَمَرُ

فإِنَّ حَـرْفَـكِ مِـنِّيْ سَـرْمَـدٌ أَزَلٌ

وحَرْفَ غَيْرِكِ مِنـِّيْ النَّـأَيُ والحَـذَرُ

وأَنـْتِ أَوْطَـفُ أَنـْوائِـيْ وأَنـْوأُهـا

مِنْكِ ابْتِدائِيْ .. وفِيْكِ يَنْـتـَهِي الخَبَرُ

لا أَسْكُبُ الشِّـعْـرَ إِلَّا كُنْتِ جَذْوَتَـهُ

أو أَكْتُبُ النَّـثْرَ إلَّا ثَغْـرُكِ الدُّرَرُ

سُبْحَـانَ مَنْ سَـيَّـرَ الأَفْـلاكَ في شَفَـةٍ

حَتَّى تَعَـانَـقَ فيهـا الشَّمْسُ والقَمَرُ

أَرْيٌ وصَـابٌ هُما مِنْ ثَغْـرِ صاحِـبَـتي

لا سَيْـفَ بَيْنَهما ، لَوْ يَصْدُقُ النَّـظَـرُ

قالُـوا مُراهَقَةٌ ما قُلْـتَ! قُـلْتُ لَـهُمْ:

مَنْ ماتَ بِالعِشْقِ حَيٌّ، والهَوَى قَـدَرُ

سَافِـرْ بِـبَدْرِكَ فـي أَشْـهَى مَغارِبِـها

إِنْ لَم يَكُن لَكَ في إِشْراقِها سَفَـرُ!

***

قِفْ بالـمَسِيْحِ، حَمامًا يَنْهَمِيْ عَـبَـقـًا،

لَمْ يُمْـهِلُـوْهُ يُـرَوَّى خَفْـقُـهُ العَطِـرُ

غُصْنُ الشَّبَابِ تَدَلَّى- هكذا زَعَمُوا-

على الـنَّهـارِ ، ودَالَ القاتِـلُ الأَشِـرُ

ثَلاثـةٌ وثَلاثـونَ ارْتَـوَتْ عَـطَـشًا

يا وَيْلَ هذا الضَّمِـيْرِ الذِّئبِ كَمْ يَزِرُ!

يا أُمـَّنا، مَـرْيَمَ العَـذراءَ ، مَعْـذِرَةً:

لَوْ عاشَ قُربانُنا، ما هُـنِّـئَتْ سَقَـرُ!

وقِفْ بِطَـهَ ، سَمَـاءً مِـنْ غَمـائِمِـهِ

للنَّـاسِ وارفَــةُ الأَهـدابِ تَـبْـتَـدِرُ

كَمْ حَارَبُوْهُ، وأَلْـقَـوا فـي سَحـائِـبِـهِ

مِنْ آسِنِ الجَهْلِ بِئْـرًا صَفْوُها الكَدَرُ

ذاكَ اليَـتِيْمُ الذي أَلْـقَـى بِعَرْصَـتِـهِـمْ

رِيْشَ الطَّواوِيْسِ تَتْرَى، فارْعَوَى الفَخَرُ

ومَـرَّغَ العِـزَّةَ القَـعْـسَـاءَ صاغِـرَةً

واسْتَلَّ صَارَمَ «لا» في وَجْهِ مَنْ كَفَرُوا

تَـألَّـبُـوا زُمَـرًا مِـنْ كُـلِّ دَاجِيَـةٍ

دُونَ الصَّبَاحِ .. ألا يـا بِئْسَتِ الزُّمَـرُ

كَمْ مَـخْرَقُوا، وبَغَوْا ، والنَّاسُ سَابِلَةٌ،

مَنْ قالَ «لا» ، أَنـَفًا، أَهْوَتْ بِهِ الحُفَرُ

حتَّى أَتاهـا الفَتَى الصَّمْصَامُ ، نَاجِـذُهُ

لا يَقْتَرِيْ الخَسْفَ، لَوْ في حَلْقِهِ البَشَرُ

لكنَّ «ظُلْمَ ذَوِيْ القُرْبَـى» أَعَـقُّ دَمـًا

والظُّـلْمُ في شِرْعَةِ الأَعْـرَابِ مُشْتَهِـرُ

***

واليَوْمَ ، كُلُّ ابْنِ نَغْـلِ الأُمِّ مُنْـخَـرِقٍ

يَحْثُـوْ الرَّغامَ بِجَـفْـنَـيْـهِ ويَـنْـشَطِـرُ

فَمِـلَّـةُ الغُـلْـفِ مَـاضٍ مـا لَـهُ أَبـَـدٌ

ومُـذْ أَبِـيْ جَهْلِها واللَّـيْل يَـنْـثَـجِرُ!

***

ما كانَ في ذا الوَرَى قَـطُّ، ولَنْ يَجِـدُوا

مِثْلَ الذي- شَرَفًا- أُوْلُوْهُ أو أُمِرُوا

دارُوا بِهِ، فَلْـتَـةً، شَوْطَيْنِ، فاشْتَجَـرُوا

ثُمَّ اعْـتَلَوا صَهْوَةَ البَالِـيْ ومَنْ غَبَرُوا

عَدُّوا «النُّجُوْمَ»،إلى أَنْ صاحَ عارِفُهُمْ:

«صَلُّـوا لِعَنْـتَرَةَ العَبْسِيِّ واعْتَمِرُوا!»

...تَـبَّتْ يدا العُجْمِ طُـرًّا في تَـآمُرِهِمْ:

«كالثَّوْرِ يُضْرَبُ لَـمَّا عافَتِ البَـقَـرُ»!

***

ماذا يَقـولُ الذي أَنـَّى أَدارَ فَـماً

ذَاقَ المَرارَ ، وأَدْمَتْ طَرْفَهُ الغِـيَـرُ؟!

مـاذا يَقـولُ الذي فـي كُـلِّ جارِحَـةٍ

نَصْلٌ يَـرُوْحُ بِجَنْـبَـيْـهِ ويَـبْـتَكِـرُ؟!

إذا اسْـتَـفَـاقَ رَأَى أَبـْنـَاءَهُ سَلَـبًا

وإذْ يَـنَـامُ يَـرَى الآبـَاءَ تُـحْـتَـضَـرُ

فـي كُـلِّ وَجْهٍ لَـهُ وَجْـهٌ يُـطَـالِعُـهُ:

أَمْسٌ ضَرِيْـرٌ، وشَمْسٌ ما لَها بَصَـرُ!

***

غَـنَّـيْتُ، عَيْنِـيْ طُيُـوْرٌ لا جَـناحَ لَها،

كَيْ أَبْعَثَ الطَّيْرَ مِنْ صَوْتِيْ فَـتَـنْـتَشِرُ

والطَّيْرُ مِنْ أَبْكَمٍ ، لا مَـاءَ فـي فَمِـهِ،

ومِـنْ أَصَمِّ فُـؤادٍ لـيس يَـزْدَجِـرُ

تلكَ السَّنابِلُ كَسْلَـى، والنَّـشِيْدُ غَـفَا،

كأسُ النَّبيذِ انْطَفَى ، واسْتَنْوَقَ القَمَرُ!

***

يا عِطْـرَ قِيثارَتِـيْ، عَفْوًا ، فلستُ أَرَى

هذا المَقَــامَ يُدَاوِيْ نَـبْضَ مَنْ قُـبِرُوا

قالـتْ : سَـيَأْتِـيْ زَمـانٌ آخَـرٌ وفَمٌ

يَـصُـوْغُ شَـدْوَكَ فِيْـهِ فِـتْيَـةٌ أُخَـرُ

لا يَـبْـتَـنِيْ الشِّعْـرُ مِنْ أَحلامِهِ فَلَكاً

إنْ لَـمْ يَـدُرْ بِشِـبَاكِ العُمْرِ يَنْـتَظِـرُ!

- أ.د/ عبدالله بن أحمد الفَيْفي p.alfaify@gmail.com *** http://khayma.com/faify