Saturday 06/12/2014 Issue 454 السبت 14 ,صفر 1436 العدد

أبيض غامق

كل الأشياء صحيحة

يقطع انتباهي وأنا أعدُّ «الدَرَجات» في جذع نخلة على الرصيف، والإشارة الضوئية تمسك بحزمة المركبات، صوت مذيعة مُدرَّع بالصرير أو ما يُشبه الأشياء التي تُحْدِثُ صوتين حادين -معاً- أحدهما هو صوتها، من إحدى إذاعات الـ (FM) ، وجمهورها الذي يتصل من السادسة صباحاً بكل دأب؛ ليهدي أحدهم أغنية للشباب في الاستراحة!! أتساءلُ ألم تنقرض هذه السلالة من البشر بعد!؟ أم أن الحياة تتفق مع كل الذين يعرفونني على كل هذا، في حيز مقدس كبداية النهار في شكل مَقْلَب؛ ليضحكوا جميعاً مع المذيعة التي تضحك طوال الصرير!! كان إليوت محقاً وهو يقول على لسان (هاري) شخصيته المسرحية: «كل الأشياء صحيحة، ولكن بطريقة مختلفة»!!

- أبو فالح، اقصر الصوت شوي الله يعافيك

- أبشري!

أسترجعُ بعضاً من طمأنينتي، تخترق نظري الشفاف تلك الأداة أو العربة الغريبة التي لم يلائم شكلها لأي اسم بعد، مما أعرفه شعبياً عنها. تلك التي بثلاث عجلات صغيرة، وتُدفع بمقابض طويلة يضع فيها العامل الباكستاني أدوات بناء، وأحجارا، وغطاء رأسه، وإفطاره أحياناً. تلك التي أكاد أجزم بأنها هندية الاختراع والنشأة، حيث يتنقل الهنود بعربات بعجلات صغيرة دائماً، غير (التاكسي) المعروف. ويتكدسون فيها كحبات تين! أتساءل أيهم أفخم أملاً، من وضع أحلامه في عربة صغيرة مع التراب والأحجار، أم من وضعها على ورقة (Post it) على باب غرفته!؟ ربما معادلة جدي أجدى، حيث حملها على ظهر (لُوري) أحمر وجاب بها أطراف الاتساع.

تمسكُ الإشارة الضوئية الثانية بحزمة مركبات أخرى، يطرق النافذة طفل كأنه خرج للتو من كيس إسمنت العامل الباكستاني صاحب العربة الغريبة. نظرتُ إلى حذائه أولاً، كأني رأيته بلا حذاء، كان حذاءً غريباً -أيضاً- مفتوحاً من الأمام والخلف، بقطعة مُغْبَرة تغطي أعلى القدم؛ ولذا ظننته بلا حذاء. بملابس رياضية لفريقين مختلفين تحت ثوب شتوي قصير، مُقَلَّم بحيلة أو فقر، أو أشياء تخص أشياء لا أُحسن حدسها. يتجاهله السائق، يمضي إلى المركبة الأخرى، متمتماً بكلمات غير مفهومة، ماداً يده بشكل أُفقي.

تعيدني إلى المقعد (العودة الصغيرة) التي تحدث عندما تنطلق السيارة من الإشارات عادة. لا أدري ربما لا يعرف هذه العودة أحد إلاي! أتأكدُ من وقت المحاضرة الأولى، أنشغل وأتشاغل بفكرة قصيدة جديدة، باستلاف خفة جندب أخضر، أو رَويَّة دُعْسُوقة. بصياغة تغريدة، بالاتصال بأمي..

تخطر فكرة جادة دائماً في اللحظات الأخيرة. بعد الإشارة الثانية بالضرورة؛ كأمنية بأن تمتد الرحلة بلا صوت إلى مالا وِجْهَة!

يرتفع الصوت بالتدريج، يصعدُ بي إلى اللحظة مجدداً؛ الصرير، والمذيعة، والأبواق..

- يا بنات، الساعة ثنعش السيارة عند الباب، لا تأخرن الله يستر عليكن...

نورة المطلق - جدة