Saturday 06/12/2014 Issue 454 السبت 14 ,صفر 1436 العدد

.... ولا أكثر

المسؤولية الثقافية للقطاع الخاص

مع وصول الملياردير بيل جيتس جدة، قبل أشهر، وتبرعه للقطاعات الإنسانية وتحالفاته مع البنك الإسلامي للتنمية استعاد كثيرون الأدوار الملقاة على عاتق رجال الأعمال المحليين والشركات الكبرى تجاه المجتمع، والأدوار المهملة التي يجدر ويجب على هذه الجهات القيام بها ضمن ما يسمى بالمسؤولية الاجتماعية.

وقد تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة وعي الشركات العالمية بهذا المفهوم، وتعددت أوجه الصرف وقنوات التنفيذ ضمن مشاريع استباقية تؤكد الرعاية للعملاء وأصحاب المصالح من المستهلكين والعاملين والبيئة والمجتمع، والمساهمة في التنمية المستدامة بشتى أوجهها.

وترتبط المسؤولية الاجتماعية بعدة مفاهيم يؤكدها الإنتاج البحثي في هذا المجال منها الحقوق والواجبات، الهوية والمواطنة، الأخلاق والقيم، ويتسع الدور في المجتمعات النامية وأجزاء العالم الثالث، لكن ذلك، بكل أسف، يبدو شحيحاً ونادراً في ظل ضعف وعي الشركات والقطاعات الاقتصادية بدورها، وغياب الرقابة وأدبيات التصنيف التي تنظر إلى الأثر المجتمعي والمسؤولية التنموية، وإن حضرت مبادرات رأينا بعضها يميل كثيراً إلى التركيز على الجانب المادي على حساب القيم الإنسانية والمعرفية والثقافية بشكلها الأوسع، ويحاط ببهرجة وهالات إعلامية ضخمة يظن المتابعون أنها خارقة للعادة، وتحقق الهدف، وهي غير ذلك قياساً بالأدوار الاقتصادية التي تؤديها هذه الشركات وحجم المنتفعين والمتعاملين معها وأرباحها السنوية.

حتى الشركات الكبرى مثل أرامكو ونظيراتها من شركات الطاقة، أو البنوك، أو الاتصالات أو وكلاء السيارات والشركات العقارية، لم يعهد لها المتابع أعمالاً مستدامة على الصعيد الاجتماعي الأمر الذي يدعو إلى مراقبتها، وحثها، وتذكيرها بمسؤولياتها، وإدراج الأعمال المنفذة ضمن معايير التقييم السنوية باعتبارها شركات محلية وطنية على عاتقها واجبات غير محدودة قد لا تؤديها دون نسق عام تعتمده الجهات الأعلى.

كل ذلك لا يقف عند البرامج الوقتية والمادية، بل يجب تجاوزها إلى تبني المشاريع الثقافية والمعرفية والتعليمية مثل: دعم البحث العلمي، إنشاء المراكز الثقافية والمكتبات العامة وإدارتها، تأسيس المتاحف والمسارح، تدشين صالات الفنون، بناء مراكز الموهوبين، دعم الحرفيين في المجالات ذات العلاقة بالفنون، رعاية المهرجانات الثقافية.

نعم هناك مجموعة أعمال شهدتها الساحة الثقافية في هذا السياق لكنها غير دائمة وتستهدف المراكز الكبرى دون الأطراف، ومن مشاركة القطاع الخاص في تأسيس مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض، ومكتبة الملك فهد العامة بجدة، وإحياء سوق عكاظ، ومكتبة أرامكو المتنقلة؛ وهو مشروع صغير قياساً بالمكانة الكبرى لهذه الشركة العملاقة، وقيل إنها دعمت بعض برامج نادي الشرقية الأدبي قبل سنوات ومولت مجلته الدورية.

في جدة أيضاً أنشئ المقران القديم والجديد للنادي الأدبي بدعم من رجال الأعمال بلغت تكلفة الأخير سبعة عشر مليون ريال، وهذا يدعو الجهات المعنية مثل وزارة التجارة والصناعة بالشراكة مع وزارة الثقافة والإعلام إلى رسم برامج الشراكة وتفعيل مبادئ المسؤولية الاجتماعية/ الثقافية لتواصل كافة القطاعات أداء رسالتها مع تخفيف الأعباء الملقاة على عاتق المؤسسة الرسمية.

قد تحتاج بعض المدن أطول سارية علم، وأطول نافورة، وأكبر دراجة في العالم، لكنها تحتاج أكثر إلى متاحف، ومراكز بحثية، ومكتبات عامة، وقطاعات رعاية الموهوبين، والقنوات والوسائل الثقافية الدائمة.. وفي ذلك رسالة سامية وأداء حضاري لمفاهيم المسؤولية الثقافية في أعمق صورها وأكثرها بهاءً.

محمد المنقري - جدة