جملة العنوان هي مضمون تغريدة للدكتور صالح الربيعان، وفيها صياغة منطقية لجدل مستديم تتلبسه ثقافتنا منذ عقود حيث شاعت عبارة (لحوم العلماء مسمومة) وهي نوع من العبارات التي تقوم على نصف الحقيقة، لأنها بتخصيص القول في العلماء تعطي انطباعا بأن لحوم غيرهم مباحة، وسينتج عن هذا الالتباس تصور عن طبقية تميز بين البشر فتفضل فئة وتفردها بحق لا يعم غيرها،وهذا لبس يفرضه السياق الثقافي الذي يحضر في كل لحظة يقال فيها هذا القول، ولم تنجح الشروحات المصاحبة في رفع اللبس الذي ظل يلاحق هذه المقولة، ولن يكون لنا إلا أن نحدد وجهين للقول أحدهما جانب يخص شخوص الناس، والبشر على هذا المستوى الشخصي متساوون في الحقوق والواجبات وفي الثواب والعقاب وفي الحساب، وهذا هو الأصل، ولا يفترقون إلا بالعمل، وهنا تأتي كلمة السموم في موضع ملتبس فإن كان المراد هو المساس بعرض الشخص أو قيمته كبشر أو بخاصيته الإنسانية فهذه جنحة أخلاقية لا يختلف وقعها ومترتباتها بين أحد وأحد، والحدود في الإسلام لا تميز هنا وليس لنا أن نميز. ومن قال بغير ذلك فهو مخطئ بالضرورة، وفي الجانب الآخر فإن ما يعمله المرء ـ أيا كان هذا المرء ـ هو من أمور العمل البشري الذي يصيب ويخطئ، ولذا فنقده أو مخالفته أو الاعتراض عليه وتخطئته سيكون واجبا وليس مجرد حق، وكل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب ذاك القبر عليه الصلاة والسلام، كما هي كلمة الإمام مالك، وكما هي ممارسات العلماء كلهم، مع بعضهم البعض، على الحقب والأمكنة كلها،حيث ينقدون وبشدة مفرطة في بعض الأحيان، دون تساؤل عن لحم مسموم، ولم يقل أحد بعصمة قول أي عالم مهما كانت درجته العلمية، كما لن يقول أحد بتمييز بين حد القذف بما إن القذف جنحة بذاتها وليست لمنزلة المقذوف ، وهنا تكون جملة (لحوم العلماء مسمومة) جملة مرتبكة في بنيتها الدلالية، فلا هي تملك حق التمييز في أمور الغيبة والنميمة والقذف، ولا هي تملك حق تحصين الآراء والمقولات، وهنا يصبح وجودها الثقافي غير صحيح، والإصرار على تردادها يجعل قائلها عرضة للوقوع في الإلباس والتقسيم الفئوي، ولذا تجد كل قائليها يضطرون لشرح طويل وجدل غير منقطع تبرز فيه كلمة (لكن) بصورة مبالغ فيها وذلك لأن الجملة عاجزة عن شرح نفسها وتبرير وجودها فتحتاج دوما لمساعدة خارجية ترقع الثغرات، ويتضح هذا بمجرد تشريح التباسات معانيها. وبالتالي فلا بد أن نتفق مع صالح الربيعان بأن لحوم كل الناسمسمومة، وأفكار كل الناس غير مسمومة.