لم ينل ملف الرقابة على الكتب حقه من الاهتمام ضمن الملتقيات الثقافية التي تعنى بها وتعقدها وزارة الثقافة والإعلام بين فترة وأخرى، رغم حساسية الأمر وجنايته الفادحة -أحيانا- على مسار المعرفة، والإنتاج الفكري، وتطوّر الصناعات الثقافية التي تشكل علامات فارقة في قوائم التنافس الحضاري بين الشعوب.
والوزارة تمارس دورا خطيرا في هذا المجال، ولا يخلو مبنى من مبانيها أو منفذ من منافذ البلاد من طواقم الرقباء الذين تختلف مستوياتهم الثقافية، وتتنوع أساليب تعاملهم وتتزايد الشكوى من تزمتهم، وعدم مسايرتهم لمتغيرات العصر التي قدمت وسائط جديدة أوجبت التسامح معها لانتفاع الأطراف منها، فالمنع قد يؤدي إلى نتائج عكسية تسيء لمن شغف به.
ولا أظن مثقفا واحدا قد سلم من تعنت الرقيب ومقصاته وتأويلاته، لكن شيئا من العلاج لم يحدث، وقليل من التفكير في تغيير الآليات لم يطرأ، بكل أسف.
وكان ناصر البراق، وهو إعلامي ورقيب سابق في وزارة الثقافة والإعلام وملحق ثقافي سابق في السفارة السعودية بالمغرب، قد بث في تويتر مجموعة من التغريدات قبل أشهر كشفت رداءة التعامل من قبل بعض الرقباء، وتدني مستويات الوعي والمعرفة لدى بعضهم، والأساليب العتيقة التي يمارسونها في سبيل الحجر على المعرفة واختطاف مصادر الثقافة من أهلها.
وظننت أن تحدث تغريداته تلك هزة في أسقف الرقباء أو قلقا لدى الوزارة فترد عليه، أو تعقد مؤتمرا، أو ملتقى تستمع فيه إلى شركائها في رسم هوية البلاد الثقافية، وتلتمس معهم طريقا معاصرا يعكس التسامح واتساع الرؤية التي فرضها، قسرا، العصر الحديث ووسائطه.
والمؤسف جدا أن تعيش طائفة الرقباء حالة من الانفصام السنوي عند كل معرض كتاب يقام في البلاد فتتسامح مع آلاف العناوين وتتيح للناشرين عرضها وبيعها في ظاهرة صحية نادرة ثم تعيدها في آخر يوم للمعرض إلى قائمة الممنوعات التي تتخطفها عيون الرقباء عند المنافذ وتمنع بيعها عبر المكتبات الداخلية طيلة العام؛ وهذه حالة نادرة لا أظن قطاع رقابة في العالم يقوم بها!!
والغريب أن يمنع الرقيب وعاء ورقيا ثم تجده متاحا عبر الوسيط الإلكتروني كاملا؛ كما يحدث مع بعض الإصدارات والمجلات التي تقدم بشكل تقليدي وإلكتروني فهل يعمل الرقيب التقليدي بمعزل عن الرقيب في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، والأخير أكثر وعيا وتسامحا ومقصاته خضراء ولطيفة وخيره وافر قياسا برقيب عتيد مل الجميع منه!
لقد حان الوقت لتراجع الوزارة آلياتها في هذا السياق، وترفع مستوى الوعي لدى رقبائها، وتحيطهم علما بما استجد في سياقات إنتاج المعرفة وتلقيها وأن نوافذهم التي يغلقونها كل يوم تنحني جدران غرفها أمام فضاءات حرية شتى يجود بها الزمان، ولم يعد الحجب والمنع والوصاية جديرة بمن يعوّل عليه الكل باعتباره راعي الثقافة ومنتجها وحاميها أيضا.
ما يحدث الآن جناية فعلية على صورة الثقافة المحلية، وتأثير سلبي واضح على عمليات التأليف والطباعة والنشر؛ وهي أركان أساسية في تقدم الشعوب وتشكيل هويتها الأسمى.