Saturday 06/09/2014 Issue 444 السبت 11 ,ذو القعدة 1435 العدد
06/09/2014

الكتب خان ومبدعون

أبدأ بالكتب خان، وهي التسمية الصحيحة للسوق المسقوف الذي يمكّن المحترفين من صناعة نتاجاتهم وعرضها للبيع في المكان نفسه (خان) وهذا يعطي للكتب أملاً حين يكون كذلك لمكتبة.. وهي تظهر لمن يلمحها في حي المعادي بالقاهرة مكتبة جذابة اتخذت شكلاً مبهراً بديكوراتها ورفوفها ومجالسها المهيأة للقراءة، والظاهرة من الخارج بصورة أنيقة تبعث الطمأنينة في قلوب المهتمين بالكتب والقلقين على مستقبلها الورقيّ.. كذلك تلفت نظرك ملصقاتٌ على بوابة المكتبة تحاكي واقع الثقافة العربية راهناً، كأن تجد صورة كبيرة للراحل سميح القاسم تلوّح له بالوداع، وغير ذلك من معالم الأدب عالمياً وعربياً في مواكبة لكل حدث ثقافي كبير؛ غير أنني عرفتُ الكتب خان دارَ نشر قبل أن أعرفها مكتبة، حين وصلتني نسخة من كتاب رائع كتبتُ مقالة تحمل عنوانه (حجر طاحون أخضر) نُشرت بتاريخ 8 فبراير 2014 في الجزيرة الثقافية؛ وقد لفتني أن الكتاب صادر عن مؤسسة نشر لم أكن قد سمعت بها من قبل (الكتب خان) ثم عرفتها جيداً، وعرفت صاحبتها المبدعة كرم يوسف، التي لا يمكن أن تصفها بغير الإبداع حين تسمعها وهي تتحدث عن محبتها وإخلاصها لكل أشكال الإبداع، والمكتوب تحديداً، لذا قامت بهذا المشروع المكلف والصعب الذي تنوء بمثله مؤسساتٌ رسمية، بجهد فرديّ لا يدعمها في مواجهة أعبائه وتبعاته سوى زوجها الأستاذ أحمد أبو زيد، لا لتفتح مكتبة لبيع الكتب فقط، ولا لنشرها وتوزيعها فحسب، بل هي جعلت من مكتبتها (الكتب خان) مركزاً ثقافياً يحتوي صالة مصغرة لتقديم عروض سينمائية تخييلية وتوثيقية، بعضها عن أعمال صادرة عن المكتبة - أو دار النشر - نفسها، وجعلت من المكان مقهى ثقافياً يتلاقى فيه المبدعون الشباب وغير الشباب من كتاب وفنانين وكأنه بيتهم الذي يجمعهم بكل ترحاب وكرم.. وقد أصدرت الكتب خان عدداً من الكتب العربية والأجنبية والمترجمة، لعل من أهمها (كتاب صلاح الدين) لطارق علي ترجمة طلعت الشايب، ورواية (الخالق) لأحمد شافعي، ورواية (شجرة اللبخ) لعزة رشاد، وكتاب تاريخي (إسبانيا بشكل جلي) لخوليان مارياس ترجمة علي المنوفي، وغيرها من الكتب - تتجاوز الأربعين - كلها ضاربة في عمق الثقافة الكونية حتى أنها - برأيي - قد تشكل خطراً على استمرارية مشروع (الكتب خان) المعتمد كلياً على الإمساك بالرغبة عند قارئ اليوم وهي تتبخر إلى الأسطح جيلاً بعد جيل. غير أنني لا أقلق على مستقبل مشروع بدأ بذاء ثقافيّ يدعمه الطموح واتخذ من جماليات الفنون خطوطاً ترسم ملامحه التي سيكتشفها كل من يلامسها ويعرف جديَّتها وجديدها.

أمّا (مبدعون) فحركة أخرى تتشكل الآن أيضاً في القاهرة، اسمها المستقل والمرخص له مؤخراً في مصر (مبدعون من أجل التغيير)قد اجتمع على تأسيسها مبدعون من مجالات مختلفة للثقافة أدباً وشعراً وقصصاً ومسرحاً وموسيقى ودراما.. وكانت أهدافهم التي أعلنوا عنها في البيان التأسيسي للحركة: (عبارة عن تجمع أدبي ثقافي إبداعي تتعانق فيه كافة ألوان الفنون ليعمل على تنشيط الحركة الإبداعية والثقافية في مصر) ويضيف الصديق العزيز الأستاذ صلاح معاطي، رئيس الحركة، في بيانه: (أن التغيير المقصود هو تغيير ثقافي وفني وإبداعي يبدأ من القاعدة الجماهيرية التي تم تهميشها والتأثير عليها سلبياً، وكذلك إزالة الهوة الساحقة بين المبدع والمتلقي واكتساب ثقة الأخير من خلال الوصول إليه أوّلاً ومباشرته بما نقدمه من أجله.. وقد جاءت فكرة تكوين هذه الحركة بسبب الواقع الثقافي الذي يعيش حالة من الركود وعدم الفاعلية نتيجة لما نعيشه من أحداث ترمي بظلالها على الثقافة والإبداع في كافة الفنون، وإزاء رفض عددكبير من المبدعين الاستسلام لهذا الواقع حتى يتم الدفع بالحركة الثقافية إلى الأمام..).

هل يستطيع أحدٌ من المشتغلين على الثقافة والإبداع أن يقابل مثل هذا الكلام إلا بالتقدير والاحترام؟ عن نفسي، وأنا أتواجد الآن في القاهرة، من بعد غياب لا يعادله غياب، أجدني مندفعاً نحو التحية للمبدع السيناريست الأديب صلاح معاطي (رئيس حركة مبدعون، وجمعية أخرى تهتم بأدب الخيال العلمي في أشكاله المختلفة) وزوجته الأديبة الدكتورة عطيات أبو العينين (مساعدة رئيس الحركة أو الجمعية) وبقية الأصدقاء الذين أخذهم التفكير الإبداعيّ إلى إنشاء كيان ثقافي معاصر يواكب اللحظة الراهنة ويتجسد في مجموعة قابلة للتوسع حتى تشمل أقصى ما يمكن للإبداع الشمول، اتخذت شكلها المؤسسيّ الاعتباريّ واضعة لأولوياتها إنعاش الثقة العريقة في مصر الثقافة والإبداع، وترميم الجسور التي كادت أن تنقطع مهترئة، في العقود الأخيرة، بين المثقف العربي – والسعودي مثالاً– وبين منارة ثقافات العالم القاهرة، بعد أن تجاذب المعنى تجارٌ عرفوا كيف يصنعون من الفكر والإبداع بضاعة تملأ سوقاً لبيع الوهم وقبض الدولار.

ختاماً أقولُ: تعبيراً عن إعجابي بحركة (مبدعون) ومكتبة (الكتب خان) وكنوع من الدعم المتبادل بيننا، سأصدر عن كل منهما كتاباً، ستليه كتبٌ أخرى بإذن الله، تحية لمصر وأملاً في قادمٍ أجمل.

- القاهرة ffnff69@hotmail.com