Saturday 06/09/2014 Issue 444 السبت 11 ,ذو القعدة 1435 العدد
06/09/2014

مظاهر الخلاف النحوي والصرفي

أكرمني ابني الدكتور عبدالله راجحي محمد غانم بنسخة من رسالته لدرجة الدكتوراه المقدمة لجامعة عدن، وعنوانها (مظاهر الخلاف النحوي والصرفي عند ابن فلاح اليمني في كتابيه: المغني وشرح الكافية)، بإشراف الصديق العالم الجليل الدكتور عبدالله صالح بابعير، وجاءت الرسالة في 882 صفحة، وليس غريبًا أن ظهرت في هذا الحجم الكبير؛ لأن قضايا الخلاف كثيرة، ومهما كان السعي للاختصار - وهو ما صنعه الباحث- ظل الأمر فوق الطاقة، وأحسب أن سعة الموضوع وكثرة القضايا من الأمور التي أجاءت الباحث إلى الاجتزاء في بحث بعض القضايا والاكتفاء بالترجيح.

يثير عنوان الرسالة بعض الإشكال عندي؛ إذ المتصفح لعنوانات فصول الرسالة ويطلع على محتواها يجد أنها تدور حول قضايا الخلاف النحوي أو هي ظواهر الخلاف أي الظواهر اللغوية التي وقع فيها الخلاف، أما مظاهر الخلاف فأحسبها الجهات التي حدث فيها الخلاف، أي ما يدل على الخلاف بينهم، فمن مظاهر الخلاف الموقف من النصوص اللغوية المعتبرة في التقعيد، والموقف من البيئات اللغوية المرتضاة للاستشهاد اللغوي، وربما أراد الباحث بالمظاهر القضايا الكبرى التي تضم جملة من المسائل المندرجة تحتها وهي عنوانات فصول الرسالة الثمانية. ومن الأمور التي يثيرها العنوان كونه دراسة للخلاف من وجهة نظر ابن فلاح؛ ولكن الباحث جعل كتابي ابن فلاح منطلقًا لجمع قضايا الخلاف بعامة وإبداء الرأي فيها حتى إنه حرص على تلمس موقف الباحثين المحدثين من بعض تلك القضايا، وحاول الاستفادة من جهود علماء الساميات لترجيح الأقوال.

أدرك الباحث أهمية كتابي ابن فلاح وبيّن أنهما كأنما أُلِّفا في الخلاف النحوي، فهما من أكثر كتب النحو حصرًا لمسائل الخلاف والعناية بها استقصاءً للأقوال وحشدًا للحجج، مع تناول ناقد فهو يقبل منها أو يردّ معتمدًا على ما يُهدى إليه من أدلة وحجج بالغة، وهو أسلوب لم يجده الباحث عند من سبقوا ابن فلاح. ومع أن أبا حيّان ثم السيوطي قارباه في طريقته لم يبلغا شأوه، وهذا ما دفع الباحث إلى الاعتماد على كتابي ابن فلاح منطلقًا لدرس قضايا الخلاف في رسالة مؤلفة من ثمانية فصول بمقدمة وتمهيد وخاتمة وقائمة بالمصادر والمراجع وفهارس فنية وخلاصة للبحث بالعربية والإنجليزية.

اتخذ الباحث طريقة موحدة في درسه قضايا الخلاف؛ إذ يجعل للقضية عنوانًا يورد تحته ما ذكره ابن فلاح من أقوال خلافية في المسألة، وينسب الأقوال إلى النحويين ومن تابعهم أو وافقهم ومن رجحه من المحدثين مثل مهدي المخزومي والسيد رزق الطويل، ثم يبين حجج النحويين، وقد لا يكتفي بما ذكره ابن فلاح من أقوال خلافية في المسألة بل يورد ما يسميه قول آخر في المسألة. وينتهي بتقرير مذهب ابن فلاح ويختم برأيه أو ترجيحه هو بعد قوله «أما الباحث... إلخ».

والقارئ يدرك من تصفحه لهذه الرسالة الجهد الكبير الذي بذله الباحث والمعاناة التي عاناها، وهو عمل فوق طاقة الباحث الفرد؛ إذ مسائل الخلاف من الدقة والتشعب والعمق ما يحوج إلى فريق عمل، والقضايا الخلافية تستحق أن تدون في موسوعة شاملة لهذا الغرض.

وقد أحسن الباحث أن ذكر في مقدمته أن «البحث في هذا الموضوع ليس الغاية من ورائه مجرد البحث في قضايا الخلاف؛ وإنَّما قد يساعد البحث في هذا الموضوع في تفسير كثير من الظواهر اللغوية التي يدرسها علم اللغة الحديث، كما يمكن أن تظهر دراسات جادة، وجهود مخلصة تفيد من مسألة الخلاف النحوي والصرفي في تقديم نحو عصري خال من التعقيد والاضطراب من خلال مقاربة الآراء والخروج بنموذج مقبول يأخذ من كلّ فريق أحسن ما عنده وينبذ ما دون ذلك وراء ظهره». وما يشير إليه الباحث مهم جدًّا فما العربية بحاجة إليه هو معالجة نحوها العظيم انطلاقًا منه إليه من غير فرض مقولات غريبة عنه، غير أن استلهام تجارب الآخرين والاستفادة منها في هذه المعالجة أمر محمود ما دام دائرًا في فلك النحو العربي الموضوع بعد نظرة وصفية دقيقة إلى جمهرة الاستعمال العربي الموثوق بعروبته.

- الرياض