نملك جميعًا وجوهًا كثيرةً تمامًا مثل المكعب - أو مثل الحقيقةِ على رأي بيكاسو وشركاه- تخيّل أن يكون رأسُك على هيئةِ مكعبٍ وتدير الوجهَ المناسبَ حسب المقام؟! يبدو ذلك ضربًا من حكايات الخيال العلمي، وأشبه بمخلوقات الفضاء التي لرؤوسها دومًا أشكالٌ غريبة. حسنٌ، كلنا مكعبٌ على طريقته بوجوهٍ ستةٍ -أو أكثر- مدمجة كلها في رأسٍ واحدٍ دون أن يعني ذلك تلونًا بالضرورة أو نفاقًا يستدعي تشبيهك بالحرباء -وهي شكلٌ آخر من «مكعب روبيك» بألوانه الستة الصلبة كما تقول الموسوعة- أنت فقط تظهر وجهك الذي يتلاءم مع المكان. هل أحسست أنك نوعٌ من الستائر لا بدّ أن يتطابق مع لون السجادة؟ الفرق شاسعٌ بين أن تكون متلونًا بحسب مقتضى الحال، وأن تظهر من شخصيتك جانبًا يستدعيه وضعك دون مساسٍ بأركانك الثابتة، ألستَ مكعبًا في النهاية؟!
منحنى:
كلُ الطرق -حتى تلك التي تؤدي إلى روما- تبدو منحنية من بعيدٍ، فيها الكثيرُ من المرتفعاتِ والمنخفضاتِ ككلِ دروبِ الحياةِ! لعلنا كنا نحدسُ ما سيكون عليه شكل حياتنا حين كنا صغارًا نرسم التلالَ -التي لا نراها غالبًا على أرضِ الواقع إلا لو استثنينا تلالَ الترابِ الصغيرة التي تخلّفها النملاتُ وهي تحفر بيوتها- أو الجبالَ التي نمنحها شكلًا ناعمًا لا تعرّجَ فيه ونجعلها أقربَ لتلك التي يتركها الخـُلد. ما الذي يجعله يترك أثرًا خلفه سوى أنه يرغبُ في التعارف؟!!
فرجار:
يبدو أن الموضوعَ قد أثار سميدًا، فها هو يتدخل ليرى الفرجارَ من منظاره هو! يقول سميد إن الفرجارَ يشبه بهلوانَ السيرك الذي يقفُ على قائمتين خشبيتين طويلتين يخفيهما تحت بنطاله العريضِ، بحيث يمكنه أن يلمسَ سقفَ الخيمة، أو يصبحَ بطولِ نخلةٍ -لا تشغل نفسَك كثيرًا بأمر التفكير في عقله كما ينصحك سميد- أو إن أردتَ نسخةً شريرةً منه فهو قرصانٌ بساقٍ خشبيةٍ، تثقب ساقه المدببةُ سطحَ الورقةِ/ السفينةِ دون هوادةٍ! يحبذ سميد الآن الانتقالَ إلى صورةٍ أكثرَ شاعريةٍ، ويدعوك إلى تأمّلِ الفرجارِ من جديد، حين تجهّزه لرسم دائرةٍ يبدو كلاعبِ باليه رشيقٍ للغاية، يقف على أطراف قدمه ويرفع ساقه الأخرى مشكّلًا زوايا منفرجةً وحادةً وقائمةً، قبل أن يرسمَ دائرةً حول نفسه مثلَ حزاِم زحل! «كسّارة البندقِ» هي أيضًا الشكل التوءمُ الممتلئ للفرجار، ألا يتمتع سميد بحس فني راقٍ؟!
مسطرة:
هي أيضًا قطعةٌ مستقيمةٌ مهما بلغ طولها، لكنها لا يمكن أن تتحول إلى مستقيم! تقيس لك المسافات بسهولةٍ، غير أنها تعجزُ عن قياس بعض المسافاتِ حين يبتعد عنك الأصدقاء أو يهجروك فجأةً بلا سببٍ، لتقفَ حائرًا أو لتكتشف أن الخيبة تأتي أحيانًا على هيئةِ صديق! يمكنها أن تقيس طولَ ذراعك، وتعجز عن فعل ذلك مع أحلامك التي يرتفع فيها منسوب البياض ولا شيء آخر سواه! يمكنها أن تحل محل يدك إن أردت أن تعاقب أحدًا، وبسهولة يمكن لكفك أن يأخذ مكانها إذا افتقدتها لترسم خطًا شبه مستقيمٍ، يبدو أنها تستمتع أيضًا «بلعبة الكراسي»!!
ممحاة:
يقول ابنُ خلدون: «واعلمْ أنّ الهندسةَ تفيدُ صاحبَها في إضاءةِ عقلِه واستقامةِ فكره».
فكّر في ذلك بعد قراءتك المقال، أو يمكنك استخدامُ الممحاةِ ببساطةٍ!