Saturday 05/04/2014 Issue 433 السبت 5 ,جمادى الثانية 1435 العدد
05/04/2014

حقيقة العقل(1)

تكلم الناس منذ القدم عن العقل وماهيته وعن آثاره وموضعه من بدن الإنسان تكلموا وأطنبوا وكرر كثير منهم ما دونه غيرهم ما بين: طرح وطرح وجانب وجانب ودليل وتعليل.

ولكن حينما نذهب مذهب الترصن بعيداً عن الإنشاء والنقل والتقليد نجد أن العقل تكون مادته: ع. ق. ل. عقل، فإذا أردنا التعريف إذا أردنا ذلك قلنا: العقل.

من هذا فتحرير هذا يكون من تأصيله من حيث اللغة والمعنى اللغوي لهذا: الأمر.

تكلم عن العقل أناس وأناس ولا يعرف هذا إلا بمبدأ الإتيان على المراد منه ذلك أن معاجم مفردات الألفاظ لا يذهب عنها إلا ليسار إليها لأن اللغة مدخل كريم وكريم من حيث الحس والمعنى.

وعلى هذا ترك المناطقة وجل أهل الكلام المذهب اللغوي وتعريف اللغة الذي هو أصل لمدخل فهم دلالات الألفاظ فكان هذا أن كانت معاجم موازين اللغة في جانب لا يؤبه به قيد أنملة، فذهب هذا النوع من الناس في المراد بالعقل إلى تفسير وتفسير ليس بذاك.

من أجل ذلك يكون لا بد لي في هذا المعجم أن أبين المراد منه في كل مما ورد ومما أبذل فيه رأي ولا آلو، وعلى هذا السبيل يكون الأمر هكذا:

العقل: الربط.

العقل: القيد.

العقل: الضبط.

العقل: الشد.

العقل: الوثاق.

العقل يؤخذ من عقل الدابة وغالب هذا إنما يكون في عقل الإبل، وورد في الصحيح (اعقلها وتوكل) أي قيد ناقتك بعقالها وتوكل على الله تعالى بحفظها ذلك أن العقال سبب مادي قد يزول بسبب مادي آخر مثله أو أقوى منه، والله جلت قدرته يحفظها بلطف قد لا يعقله المرء، وقل إذا كان (ضعيف اليقين) يعلل من هنا وهناك فيقع بمنطق يخوض فيه ويحوص، ومن هنا وقع كثير من الذين قدموا العقل على النص في: آراء، ونظريات، واجتهادات كانت عليهم حسرة بعد حين ذلك أن الفطرة الصواب تأبى إلا ما يقبله العقل السليم الخالي من شوائب العاطفة والهوى، أخلص إلى القول أن العقل قد فسره كثير من الخلق بما ظهر لهم من آثاره فزعم الكثير أن هذا هو: العقل.

فمنهم قال: العقل الدهاء.

ومنهم من قال: العقل قوة الرأي.

ومنهم من قال: العقل حسن التصرف.

ومنهم من قال: الهدوء وسعة البال.

ومنهم من قال:

دوام المكوث في العمل.

ومنهم من قال: إن العقل الاستعداد للفرصة.

ومنهم من قال: هو السيطرة بفرض الرأي.

ومنهم من عمم فقال: العقل: النجاح.

ومنهم من قال: قوة التأثير على الآخر.

ومنهم من قال: إنما هو تدبر القواقب.

وحين أعود إلى (المعجم) فإنه من دلالته اللغوية (بعقل الدابة) بعقال رجلها أو عقل رجليها معاً يتبين أن المراد اللغوي إنما هو عقل المرء نفسه من: الزلل وهذا دال على أن العقل أمر معنوي غير حسي.

ودلالة اللغة توحي بربط الإنسان نفسه عن الخطأ بوعي جيد ورأي صالح وحسن تدبر ووضوح الرؤية المراد الوصول إليها، وبنظر وتدبر ما سلف يتضح جزماً أن كل ما مضى بيانه إنما هو آثار للعقل ولكنها ليست العقل، ولهذا قال عمر رضي الله تعالى عنه: العقل غريزة وعليه فالعقل هبة من الله تعالى.

فالدهاء وحسن التصرف واللباقة وقوة الحجة والاستعداد للفرصة إنما هي أثر ليس إلا هذا.

فالمعتزلة زمن المأمون عفا الله تعالى عنه استخدموا العقل بصفة من صفاته ألا وهي: المصلحة والتزلف لأنهم علموا أنهم لو جادلوا بالنص وضوابطه وأسسه وحالاته لخسروا كثيراً مما يسعون إليه من الزلفى، ولأن حال المأمون كانت مواتية لهذا لأنه كان يريد دوام الحالة والتي كان عليها فقربهم وقد كان يعلم أنهم في زلل فتلاقحت العقول بآثارها ولم يظهر هناك عقل رشيد، وهذا ما قام به المعز لدين الله الفاطمي، والجهم بن صفوان الترمذي والجعد بن درهم ولهذا فالعقل في أصله أنه: هبة وسجية وخلقة لكنه في آثاره ينقسم إلى نوعين:

1- عقل فطن متدبر واع كريم.

2- عقل جيد ممارس لكنه مصلحي.

وأنواع أخرى تكون بين هذا.. وذاك.

يتبع..

- الرياض