زمجر جرس المدرسة معلنا نهاية الحصة السابعة، للأبواب أصوات مزعجة وجلبة، فالطالبات الآن في ساحة المدرسة، ليفتح البواب لهن باب المدرسة، زعيق ووقع أحذية بناتية، وبنات يتهامسن ويتغامزن وصراخ وأحاديث بأصوات عالية، بينما وقفت إحدى المعلمات تفتش على الجوارب والعباءة الساترة وطلاء الأظافر.
كانت نجاة طالبة متوسطة الذكاء، خرجن الطالبات وهي ما زالت تنقش على دفترها ما خلفته معلمة الرياضيات على السبورة، فالمعلمة ملأت السبورة وخرجت فور سماعها جرس المدرسة، فهي تريد أن تلحق بالتوقيع في دفتر الخروج قبل أن تخرج مسرعة لتركب مع زوجها، بينما على نجاة أن تكتب كل ما على السبورة في دفترها، وإن نقص فالويل لها، ستوبخها المعلمة وتخصم عليها من الدرجات وتكتب لها ملحوظة لولي أمرها.
كان باص البنات يقف أمام المدرسة بهدير محركه الذي يزعج الأذن، وبالأبخرة التي ينفثها المحرك، كان سائق الباص رجلا مسنا قد بلغ الستين، وجهه تجعد بعوامل تعرية الزمن، ويده تمسك بقوة مقود الباص، دخلت الطالبات الباص وهن يتهامسن ويتبادلن النكت والأحاديث عن المكياج وبطن إحدى المعلمات الحامل في الشهر التاسع، وكانت هناك شائعات تدور هل ما في بطنها ولد أم بنت؟؟؟، امتلأ الباص بالطالبات حتى التخمة، بصوت يملؤه التعب والملل قال سائق الباص :
- هل بقي أحد؟
لم يجب إلا الطالبة البليدة التي تجلس في مقعد قريب منه، قائلة:
ـ لا.
أدار السائق المحرك وانطلق يمخر عباب الحارة، ويتلوى كالأفعى بين شوارعها الضيقة الملتوية، يتوقف أولا أمام باب سعاد، لأن أباها صديق سائق الباص وقد أوصاه بأن يوصلها أولا.
كان الاستياء قد بلغ من سائق الباص مداه، فالأولاد كثر وكلهم لا يعملون، وزوجته مريضة، وهو يعاني من الأمراض المزمنة، وكذلك قيادة الباص متعبة، والمديرة تصدر له الأوامر بفوقية.
فجأة وعندما كان الباص ينعطف مع أحد الشوارع الرئيسة، لفت نظر السائق سيارة مسرعة حاول تفاديها، لكنه ارتطم فيها، فتزلزل الباص بمن فيه، سقطت الحقائب المدرسية وجوه الطالبات ملطخة بالدم، بعضهن تصرخ، وبعضهن بل الكثير منهن يبكين، وهن بين قتيلة وجريحة، اجتمع الفضوليون حول الحادث، بينما بقي الآباء والأمهات على أحر من الجمر وهم لا يعرفون ماذا حصل لبناتهم، لأنهن تأخرن هذا اليوم كثيرا.
نجاة في هذه الأثناء تلملم دفتر الرياضيات وتضعه في حقيبتها، عندما خرجت لم تجد الباص، ارتسم شيء من الوجوم على وجهها، لكنها أكملت المسير إلى بيتها على الأقدام، فالبيت ليس ببعيد.
قضت نجاة يوما عاديا، نامت متأخرة، استيقظت متأخرة، أوصلها أبوها، كان وقت بداية الحصة الأولى تحديدا، هزأتها المديرة، ثم دخلت الفصل، ولكن أين الطالبات ما هذا الغياب .
- نحن لسنا في بداية الفصل الدراسي أو نهايته.
هكذا تساءلت.
وجدت إحدى زميلاتها وحيدة في الفصل، إنها طالبة بليدة تقبع في آخر الفصل قد أثخن وجهها بالشحوم من أكل الشيبس ومتابعة المسلسلات المكسيكية، وهي أيضاً لا تركب الباص ولا تمشي على الأقدام بل يوصلها السائق على سيارتهم الفارهة جدا، أيقظتها من سباتها العميق، وسألتها :
- أين البنات؟
ردت بشيء من التأفف قبل أن تعود لتكمل نومها:
- ماتوا