إن أردأ وأخفض ما في الكتابة أن يحوّل الكاتبُ قلمَه إلى بوق يردد ما تريده الغالبية من الناس بحثًا عن الشعبية والجماهيرية والحظوة بينهم، وهو يعلم أن ما يكتبه أبعد ما يكون عن آرائه وقناعاته الحقيقية.. أو أن يتحوّل الكاتب إلى ممثل يسعى إلى رضا جهات إعلامية تساعده -إذا أعجبها تمثيله- في تحقيق تلك الجماهيرية الزائفة.
إن الكاتب الذي يقوم بذلك؛ الذي يسعى بقوة إلى ذلك، لا يختلف كثيرًا عن المهرج أو العاهرة، فكلاهما يتصنّع في أقواله وأفعاله بحثًا عن رضا من يقدم المنفعة.
إنه إذا قام بالتصنّع والتمثيل فإنه يقتل في داخله كلَّ معاني السمو الثقافي، ويهبط بذاته وفكره وقلمه إلى أسفل درجات الذلة والانحطاط والهوان. فهل هذا هو المطلوب منا حتى يُسمح لكتاباتنا بالوصول إلى الناس؟!
هل الواجب علينا أن نتقن التمثيل والتصنّع، لترضى عنّا وزارة الإعلام؟
إن عجبي لا يكاد ينقضي مما حصل لي مع «إدارة المطبوعات» بالوزارة، وأعتقد أن من أبسط حقوقنا ككتّاب في هذا المنبر الجميل أن نوصل أصواتنا من خلاله إلى القادرين على حل مشاكلنا بعد النظر فيها بعدل وإنصاف.
صدّقوا أو لا تصدّقوا: كاتبٌ ينشر مقالاته في عدد من أشهر الصحف في وطنه فترة من الزمن، ثم يقرر جمع بعضها في كتاب، فيُمنع كتابه من دخول معرض الكتاب المقام في وطنه، الذي نشرتْ صحفه نفس المقالات الواردة في الكتاب نصًا، بل ويمنع من الدخول إلى كل مكتبات الوطن وليس معرض الكتاب فقط!
هذا ما حدث لي بالضبط، فقد صدرَ لي قبل معرض الرياض الدولي للكتاب 2013 كتابٌ عنوانه «نحو الحرية في السعودية»، جمعتُ فيه عددًا من مقالاتي الصحفية المنشورة في الصحافة السعودية الرسمية.. مُنع كتابي من دخول معرض الرياض السابق 2013م كما أخبرتني دار «بيسان» اللبنانية الناشرة للكتاب.
تقدمتُ قبل أشهر طويلة لإدارة المطبوعات بالرياض للحصول على الفسح، حتى لا يتكرر المنع في معرض 2014م. أرسلت لهم شخصًا في البداية، ومعه كافة الأوراق المطلوبة. ماطلوا كثيرًا، وطلبوا حضوري، فذهبت بنفسي، ونفّذتُ كلَّ طلباتهم وشروطهم، وقدّمت لهم ملفًا يحتوي على قصاصات كاملة من الصحف السعودية، التي نشرتْ مقالاتي الواردة في الكتاب نصًا!.
انتظرتُ بعدها طويلا فلم يُفسح، فذهبتُ مرة أخرى قبل عدة أشهر، فكان التعامل غريبًا للأسف من عدة نواحي، ويوحي بالرفض لمجرد المزاجية والشخصنة وعدم اقتناع المسؤول الذي قابلني بفسحه!!
لقد ولّى الزمن الذي يموت فيه الكتاب إذا مُنع، وجاء زمن الماسحات الضوئية والكتب الإلكترونية، والفضاءات الانترنتية الرحبة، فصار منع الكتاب فتحا مبينًا وانتصارًا أكيدًا ودعاية مميزة وولادة جديدة له، أقوى من ولادته الأولى، فبعيد المنال مطلوب، وكل ممنوع مرغوب كما يقال في المثل.
عمومًا: آمل أن يصل صوتي وأصوات غيري من الكتاب والقرّاء الذين أحزنهم منع ومصادرة كثير من الكتب في معرض الرياض للكتاب.
آمل أن يصل الصوت إلى المسؤولين في وزارة الثقافة والإعلام، وعلى رأسهم معالي الوزير الذي أثق في عدله وحياديته وإنصافه، فليس في كتابي ما يستحق المنع، فغالب محتواه مقالاتي في «ثقافية الجزيرة» وبقية المحتوى مقالاتي في عمودي السابق في الصفحة الأخيرة من جريدة البلاد، مع بعض المقالات اليسيرة المنشورة في صحيفتي سبق والوئام الإلكترونيتين الحاصلتين على تصريح وزارة الإعلام أيضًا!.
انتهى معرض 2014م، ولم يدخل كتابي إلى المعرض للأسف الشديد، بل لم يصل إليه، فالناشر شحن كتبه ورفض شحن الكتاب؛ لأني لم أستطع الحصول على الفسح، بسبب مماطلة (إدارة المطبوعات في الرياض) بلا عذر مقبول ولا حجة سليمة ولا مبرر واضح، رغم مرور ما يقارب السنتين على صدوره!!.