لماذا لا تأتي إلى ملتقى حمد الجاسر؟ قال لي ذلك وابتسامة يشرق بها وجهه، ثم أردف: لك عندي هدية، ظللت أحملها معي غير مرة حتى مللت من ذلك فتركتها في البيت، زرنا. ابتسمت باستحياء واعتذرت عن قلة حضوري بالانشغال، وخرجنا من مركز الشيخ حمد الجاسر الثقافي وقد عزمت على زيارته في بيته بعد صلاة الجمعة وهو الوقت الذي خصصه لاستقبال طلابه وزملائه ومريديه؛ ولكن حال دون ذلك أن وزارة الثقافة والإعلام أقامت احتفالها السنوي الذي تكرم به العاملين على جائزة الكتاب الذي تقدمها كل عام لعشرة كتب سعودية، ولما كنت من المدعوّين الذين يهمهم الأمر أرجأت الزيارة في ذهني إلى الجمعة الآتية، ثمّ تفاجأت به يهاتفني ليدعوني لحضور عشاء في بيته على شرف الدكتور حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة الذي يزور الرياض ليشهد اجتماع أمناء مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية وهو أحد الأمناء. ومنذ ذلك اليوم الذي ذكر فيه الهدية وأنا أحاول تخمين ماهية تلك الهدية، أقول ربما هي كتاب أرسله معه من عرفني في البلاد التي زارها مؤخرًا، أو نسخة من مقال كتبه لم يبلغني، وجاءت دعوته لي لتكون فرصة سانحة للمطالبة بالهدية، وهكذا كان، إذ بعد أن انتهينا من تناول العشاء الفاخر وخرجت من غرفة الطعام كان يسايرني ليدعوني للبقاء لتناول شاي ما بعد العشاء، فشكرته لدعوته ودعوت له وتجرأت فطالبت بالهدية، فقال: نعم. ومضى نحو ركن وتناول شيئًا كان على منضدة تحمل فانوس إنارة، وأتى به إلي، وسلمه مصحوبًا بابتسامة حلوة، تناولت الظرف ومضيت إلى المجلس، حتى إذا استويت جالسًا شرعت بفض خاتم الظرف لأخرج الهدية المترقبة المنتظرة، لم تكن الهدية كتابًا من أحد، ولا مقالا كتبه أستاذي، بل كان عملًا أنا نفسي كتبته حين كنت طالبًا في السنة الثانية في قسم اللغة العربية (1391هـ/1971م)، وهو جزء من أعمال السنة التي كلفناها أستاذنا الحبيب معالي الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب، نهضت من مقعدي وكان في واقفًا في وسط المجلس لأقول له: إنها مفاجأة. وضحك لقولي، وقال: هذا مخطوط. وصدق أستاذي فهو مخطوط كتب على الورق الحجازي، لأننا في ذلك الزمن لا نستطيع أن نطبع بيسر ما نكتبه من تكاليف وأعمال وبحوث؛ لأن الحواسيب لم تكن وصلت إلينا، وآلات الكتابة البدائية عزيزة، وليس كل أحد يتقن العمل عليها، ولم تكن آلات النسخ والتصوير وصلت إلينا أيضًا، إذ كان من يريد نسخة يستعمل ما يمى ورق الكربون، وأما العمل فهو فهرسة لديوان امرئ القيس، فهرسة لكل اسم وفعل وحرف جاء في رواية الأصمعي لذلك الديوان، وكان أستاذنا كلفنا من بين ما كلفناه أنّ يفهرس كل طالب ديوانًا من دواوين الشعر العربي.
كان من كرم أستاذي أن أضاف ورقة بيضاء بين يدي المخطوط ليكتب فيها إهداءًا لطيفًا هذا نصه «إلى أخي الجليل أبي أوس الشمسان. هذه بضاعتكم ردت إليكم، بعد أن ازددتم الكثير من العلم والمعرفة. وتميزتم في مسيرتكم العلمية والتعليمية. حفظك الله وأدام توفيقك. أحمد الضبيب 23-1-1435هـ». وكان فرحي بهذه الكلمات فوق فرحي بالهدية نفسها، فما أكرم أستاذي أحمد الضبيب الذي تكلف حفظ هذا العمل كل هذه السنوات الطوال على كثرة ما لديه من الأعمال والأوراق التي تنوء بها العصبة أولو القوة، وإن كلماته هذه تاج أزين به رأسي، وهي شهادة عالم جهبذ يعز نظيرها، وإني أرجو أن أكون عند حسن ظنه بي، أطال الله بقاء أستاذنا الجليل الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب الذي عرفته في قاعة الدرس وتعلمت منه محبة الأدب العربي وتراثه وما زلت أتعلم منه إلى يومنا هذا. وكان من فرحي أن سكّنت النسخة ورفعتها إلى العنكبية ليطلع عليها من أراد ولينتفع بها من قد يجد فيها نفعًا، وهي عمل طلابي يصور تواضع المبتدئين، وهذا رابط الموضع: