منذ أكثر من 30 عاماً ظهر نادي القصيم الأدبي على سطح الأرض نبتةً بدأت تتفتح شيئًا فشيئا، وها هو الآن شجرة مورقة الأفياء مخضرة الأوراق متفتحة الأزهار!
لنادي القصيم الأدبي أطوار ثلاثة، ولكل طورٍ منها ملامح متباينة وتشكُلاتٍ مختلفة، فالطور الأول كانت تحت قيادة أول رئيس لنادي القصيم الأدبي الدكتور حسن الهويمل، وهو الذي أسس بناءً ثقافياً للنادي وحقق بوجوده في نادي القصيم الأدبي شخصية يحترمها الأدباء والمثقفون، وقد استطاع رسم خطوات إدارية وثقافية للنادي في المنطقة، قدّم د. حسن الهويمل لنادي القصيم الأدبي شيئا كثيرا، وأعطى من وقته وجهده عطاء لافتاً، وكثيرون يدركون أن د. حسن ترجّل عن رئاسة النادي وترك له إرثاً ثقافياً ماجداً ومبنى قائماً ومبالغ مالية تقارب 7 ملايين ريال!. هذه المبالغ لم تستغل في فترة د الهويمل لتعزيز قيم استثمارية كانت تمثل (فرصة) سانحة له لو أدركت إدارته في ذلك الأوان ما يعيشه النادي من أزمة الآن، فالفكر التقليدي الذي يقوم على مفهوم (الادخار) كان عاجزا عن تقديم رؤية مستقبلية للنادي تعيد هيكلة قوائمه المالية وتجعله مستغنيا بنفسه عن غيره!، كانت هذه سقطة إدارية لم تدرك أبعادها إلا في الوقت الراهن!. هذا -ربما- بسبب الفكر الأحادي الذي كان يسير عليه النادي في تلك الفترة التي امتدت 27 عاما تقريبا، وهي تمثل أزمة أولى في مسيرة نادي القصيم الأدبي.
الطور الثاني كان طورا مختلفا، إذ انتفض المارد النائم من سنوات ليكون للأندية الأدبية بشكل عام مظهرا مختلفا، ففكرة التعيين الجديدة لأسماء ثقافية كانت متوارية ولأسماء شابة بدأت ترسم طريقا ثقافية أشعلت الساحة الثقافية وجعلت القِدر الهادئة تفور. كان نادي القصيم الأدبي واحدا من تلك الأندية التي أعيد تشكيل مجلس إدارتها(1)، كان المجلس الجديد للنادي تحت رئاسة الأستاذ الدكتور أحمد الطامي متشوّفا لعالم ثقافي جديد، وقدّم عطاء متنوعا، ولكنت ظلت الأزمة تتكرر فلم يكن ثمة قراءة للمستقبل لتعزيز قدرة النادي المالية، ولم يكن الفكر الاستثماري حاضرا لدى مجلس الإدارة الجديد، فما تركه المجلس الأول، أتت عليه تطلعات المجلس الجديد في رسم ملامح جديدة وإقامة مناسبات ثقافية أدبية متنوعة، كانت تحتاج إلى دعم مالي قوي!، وهذا ما وجدته في ترِكةِ إدارة د الهويمل السابقة.
الطور الثالث، وهو طور الإدارة الحالية التي ولجت بوابة النادي من خلال الانتخابات التي أقامتها وزارة الثقافة والإعلام، جاءت هذه الإدارة محملة بعبء إنشاء المبنى الجديد للنادي، لأنّ العقد وقّع في عهد الإدارة السابقة، وهو عقد سيكلف خزينة النادي 30 مليونا تقريبا، فيما لا تملك خزينة النادي نصفَ هذا المبلغ، مع غياب الوعي الاستثماري منذ تأسيس النادي وبخاصة أنه النادي الوحيد الذي يملك مقوماته الأساسية بجود العقار ذي الموقع الاستراتيجي!. ومن هنا ظلّت الأزمة الاستثمارية مستمرة؛ لأن المبنى الجديد كلف خزينة المادي قرابة 12 مليون منها عشرة ملايين تمثل هبة خادم الحرمين الشريفين لكل الأندية، علما أن النادي ومثله باقي الأندية تتحمل مسؤولية ثقافية أدبية بإقامة المحاضرات والندوات والأمسيات والملتقيات والجوائز وتقدم المطبوعات وكل هذا يمثل ثقلا ماليا لا تكفيه ميزانية النادي التي لا تتجاوز مليون ريال سنويا وتأتيه من وزارة الثقافة- علما أنها لا تأتي كاملة بل منصوفة في العام !!.، هذه المليون لم تتغير منذ أكثر من ثلاثين سنة، على الرغم من التضخم وارتفاع الأسعار وتغير الأحوال وكأن الوزارة خارج النطاق!.
تستمر أزمة نادي القصيم الأدبي المالية لسببين :
أولاً: لا يوجد دعم من قبل وزارة الثقافة ولا حتى بوادر يمكن أن تؤمن للنادي ولباقي الأندية حياة مشروعة؛ لرسم معالم ثقافية وطنية يطلع إليها الجميع، فما زالت الأندية تعاني وستظل تعاني إذا لم تلتفت إليها أمّها بنظرة عطف وبرٍّ كي تبرَّ بها الأندية، فثمة جفوة واضحة بين وزارة الثقافة والأندية الأدبية !.
ثانياً: بعض المجتمعات لا تؤمن بالثقافة إلا من نطاق ضيق، ولذا يغيب رجال الأعمال عن دعم الأندية الأدبية وكأنها نبتة نشاز في المجتمع، فلا يشك أحد بكثرة رجال الأعمال المنتمين لمنطقة القصيم ولكن للأسف لا يزالون بعيدين كل البعد عن دعم النادي أو حتى مدّ يد العون لها في إتمام مبناه الجديد، فالنظرة السلبية لمفهوم الثقافة والأدب لديهم تجعلهم بعيدين عن تقديم الدعم المادي للنادي. وهم -أيضا- لا يسألون ماذا يقدم النادي ولا يحاولون أن يتصوروا ماذا قدّم أو يقدم من أنشطة أو فعاليات أو برامج ثقافية أو دورات تدريبية أو غيرها؟!.
ستظل الأزمة قائمة لغياب الفكر الاستثماري ولغياب دعم الوزارة ولغياب دعم رجال الأعمال، فهنيئا لنا بالثقافة إذا كان هذا حالها!.
(1) - كنت واحدا من الأسماء الجديدة التي دخلت مجلس إدارة نادي القصيم الأدبي واستقلت في 26-8-1428هـ لظروف عملي خارج السعودية. وفي ذلك العام رأستُ اللجنة الثقافية وأسستُ جماعة شعر في النادي في مايو 2007.