بيئة النص مشبعة بعناء الشخصية المحورية
تشتعل الأحداث، ويعلو صخب الحكاية، ويتوتر الراوي المفوه حينما يسرد تفاصيل حكايات متعددة لشخصية فريدة، تظهر على مسرح رواية «امرأة ولكن» للكاتبة اليمانية لمياء بنت يحيى الإرياني، حيث تتكثف صور الهم الإنساني المشبعة بألم الحياة وشقائها، لتعلو في هذا الخطاب السردي الحاذق حالة الوجع على ما سواها من صور واقعية، أو مفترضة للحياة من حولنا.
الرواية حملت إشارة جميلة من الشاعر الرائد عبدالعزيز المقالح الذي قدم هذا العمل وكاتبته بأسلوب رشيق وجميل يجدر بنا تتبعه والاغتباط به لأمرين مهمين هما: أن الدكتور المقالح يتابع الرواية وهي شهادة جميلة منه تضع جيلاً من كتاب الرواية والقصة على طريق النجاح، والأمر الآخر أن هذه المقدمة تدحض بعض الافتراءات التي تشير إلى أن الشعراء يتوترون في حضرة الرواية وزخمها الكثيف هذه الأيام.. وهذا ما تنفيه مقدمة هذا الشاعر الفذ لهذه الرواية الرشيق، والمحملة بصدق السرد، وأمانة الوصف وواقعيته.
فرواية «امرأة ولكن» تأتي على شكل مزيج متداخل من الصور والمقاربات الإنسانية المنتقاة بعناية حول تجربة «آمنة» وهي البطلة أو الشخصية المحورية في هذه الرواية التي بذلت فيها الكاتبة لمياء الإرياني جهدا مثمرا وعطاء فنياً رائعاً.
فسردُ أحداثٍ من هذا القبيل قد يكون سهلا ولا يحتاج إلى جهد خارق لا سيما وأن امرأة ما تعاني من اليتم والفقر والعجز وتبدد الأحلام، إلا أن الكاتبة ـ بحق ـ أخرجت عملها من دائرة النمطية والسرد المألوف إلى تدشين شهادات متتابعة كتبتها بأسلوب شيق ولغة متميز، ليصبح هذا العمل الروائي لوحات متعددة لوجوه المعاناة التي واجهتها هذه الشخصية إلا أن هذه اللوحات لم تنفصل حدثياً، إنما حافظت على اتساقها وتوترها وتصاعد الوصف إلى درجات مبهرة.
فكلما مرت الفتاة أو المرأة «آمنة» بمعضلة أو واقعة أليمة تتصاعد روح الحكاية إلى الأعلى لينتظر القارئ لحظة التنوير الأخيرة .. فهي المحملة بتداعيات الوعي، وإدراك الحقيقة كلما عصفت بها نوائب الحياة والعاطفة .. فموت أبيها وهي في شهورها الأولى، واستفحال إعاقتها وعجزها ومن ثم موت أمها لاحقا، وموت أحمد ، وزواج خالد من «سارة» ومعاناة أخرى عايشتها هذه المرأة على مدى عقدين وأكثر جعل من هذه الحكاية أيقونة واقعية تعكس ضرورة الوعي بأن الإنسان قادر على أن ينتصر على معاناته، وأن لم ينتصر عليها فليكسب شرف المحاولة.
فما يدهش في أحداث هذه الرواية أنها شرحت البيئة التي عاشت فيها الشخصية المحورية وما حولها، ونجحت الكاتبة بشكل واضح في تكثيف الصور ورسم تفاصيل كل حدث بشكل مختصر وغير مخل، من اجل أن تأخذ كل شخصية دورها وحيزها المرسوم لها دون إطالة أو استفاضة بالشرح والتفصيل.
عناصر السرد في هذا العمل مكتملة ومتوازنة، حيث توزع جهد الحيزين الزماني والمكاني بشكل متقن، فلم تطغَ صور المكان على هامش الزمان، فجاءت المشاهد متوازية، لأن الكاتبة عمدت إلى تكثيف الصور ومقاربتها بشكل متقن دون إطالة أو تشعب ـ كما أسلفنا.
وبرزت عناصر السرد الأخرى بشكل مناسب على نحو الأحداث المتوقعة، كما جاءت اللغة بأسلوب شيق، وبمضامين واضحة تنهل من معين الحكاية وتجلياته، وحافظت كل شخصية في هذا العمل على ما كلفت فيه، لتظهر العناصر متوازنة، ولها أهدافها ومراميها الفنية والإنسانية، وهذا ما يحسب للكاتبة، ويزاد في الثناء على تجربتها.
فقد عالجت لمياء الإرياني من خلال روايتها قضية الإعاقة، وكيف أن المجتمع العربي على وجه التحديد لا يزال ينظر إلى الإعاقة كنقيصة يمكن أن يوظفها في تصفية حساباته مع من يخرج على رأيه، أو يناصبه العداء، فالرواية عكست هذا المفهوم الأليم لا سيما حينما كان يمارس مع الأنثى على نحو تجربة «آمنة» في تفاصيل هذا السرد.
بيئة النص ظهرت بشكل لافت حيث اكتظت الصور والمشاهد بعالم من التناقضات والصراعات التي عاشتها هذه البيئة التي توزعت عليها تفاصيل هذه الرواية، وأدارتها الكاتبة بشكل متقن وسلس، سهل مهمة الراوي بأن يقف على جوهر المعاناة التي مرت بها هذه الشخصيات، ليستنبط للقارئ الأبعاد الممكنة للصراع الطبقي في المجتمع، والمعاناة التي يعيشها الإنسان لا سيما المرأة.
في نهاية هذه المقاربة لا بد أن نشير إلى أن ما عرضناه ليس قراءة نقدية متبحرة أنما هي ملامسات واستدعاء للأسئلة حول هذا العمل، كما نؤكد على أنها تجربة روائية متميزة تعالج حال الإعاقة، وما يترتب عليها من مصائب ونوازل، كما أن فكرة النص مناسبة جداً وأسهمت في نجاح هذا العمل.
** ** **
إشارة:
- امرأة ولكن (رواية)
- لمياء بنت يحيى الإرياني
- (ط1) صنعاء ـ اليمن 2013م
- تقع هذه الرواية في نحو (146صفحة) من القطع الصغير