Saturday 04/01/2014 Issue 424 السبت 3 ,ربيع الاول 1435 العدد
04/01/2014

قوانين الثقافة

قد يبدو الأمر غريبا ومتناقضا بين مفهوم حرية التعبير وبين تعبير قوانين الثقافة. ولكن نظرة موضوعية وواقعية تحتم وجود قوانين للثقافة.

عاشت وعانت المنطقة العربية من وطأة الدكتاتوريات والحياة المتخلفة سياسياً واجتماعياً وثقافياً وعانى المبدع العربي من غربة الحياة جغرافيا ووجودياً إذ تفرض عليه قوانين الدكتاتوريات إنتاج نمط مشروط من الثقافات حتى إذا ما سقطت الدكتاتوريات سياسياً سادت في المجتمع قوانين جديدة ليست وضعية إنما هي قوانين عرفية، قوانين العشيرة وقوانين الدين، فرضت نفسها على المثقف وصار بدلاً من أن يعيش حالة الغربة والانفصام صار يعيش حالة الرعب والخوف من الإلغاء الكامل عن الحياة.

ولنضرب في العراق مثلاً.

أبان الحقبة الدكتاتورية في العراق غادر العراق حوالي ثلاثة آلاف مثقف عراقي بين أديب وفنان ومبدع في ثقافات أخرى ذات طابع إبداعي كالتصميم والهندسة المعمارية وسوى ذلك. وبقي عدد غير قليل من المثقفين كانوا محكومين بالبقاء ومحكومين بالسكوت ومحكومين بالمكوث في جبهات الحروب. وتحولت الثقافة العراقية إلى ثقافة حرب مذ جمعهم وزير الثقافة والإعلام وقال لهم «الجندي العراقي ينزف دما من أجل الوطن وأنتم لا تنزفون قطرة حبر واحدة».

سقط النظام الدكتاتوري الأهوج إلى غير رجعة ودخل العراق مرحلة سياسية جديدة. مرحلة غريبة غير معروفة المعالم. مرحلة اختلطت فيها الأوراق وسادت فكرة المحاصصة في تقاسم الدولة وتقاسم الثروات وبقي المثقف يعيش حالة اغتراب جديدة لا يعرف ملامحها.

ثمة ظاهرة برزت في العراق وهي أن الجميع يعرفون بأن أبواب المصرف المركزي مفتوحة والحراس نائمون وأن الجميع يشاهدون الساسة يدخلون المصرف المركزي ويخرجون وكل ما يدفعونه من ثمن الاعتداء على أموال الوطن هو الحوار المحتدم داخل البرلمان ويبث من على شاشات التلفاز ولكن لم يحصل أن اعتقل واحد من البرلمانين. هذه الظاهرة وبعد تأملها من قبل المثقفين بدأت نفسها تدغدغ أمزجة المثقفين فقال أحدهم عندما أمتدت يده على المال العام «بقت علينا؟» يقصد الجميع يسرقون فلماذا نحن لا نسرق سيما وأن أبواب المصرف المركزي مفتوحة والحراس نائمون!

من الصعب على المثقف العراقي في مثل هذه الحال أن يعمل وأن يبدع وأن ينتج وأن يعبر عن الواقع الاجتماعي موضوعيا. فهو قد دخل اللعبة ويكاد أن يضيع. في المنطقة العربية الحال ليس أفضل من العراق.

ماذا يحصل لو سادت البلاد والبلدان الأخرى قوانين الثقافة المتحضرة التي تعطي فرصة الإبداع للمثقف وتوفر له فرص العيش النبيل وتمنحه الاستقرار؟

المغنية والممثلة اليونانية «ميلينا ميركوري» عندما تسلمت منصب وزيرة الثقافة في أول حكومة ما بعد سقوط الدكتاتورية كتبت قانون الثقافة والمتمثلة في بناء القاعدة المادية للإنتاج الثقافي. وفي عهدها ازدهرت الثقافة وإنتعشت حركة السينما وأسهمت عبر تلك القوانين في تطوير ستوديوهات السينما وإقامة المهرجانات السينمائية ولو توفرت في اليونان مصادر للثروات كما هي متوفرة في المنطقة العربية لتم بناء أهم مدينة سينمائية. وعمدت عبر تلك القوانين في إنشاء المكتبة السينمائية ومؤسسة الأرشيف المركزية. كما تطورت حركة المسرح وأعيد إنتاج كافة المسرحيات الكلاسيكية لأسخيلوس وصفوكلس ويوربيدس على ذات المسارح التاريخية.

نحن نرى في المنطقة العربية غياباً كاملاً لقوانين الثقافة وأن الحكومات ونضرب في العراق مثلاً ثانياً، أن وزارة الثقافة تعتبر وزارة هامشية ووزارة مجاملة في توزيع الحقائب الوزارية، ولذلك فقد أعطيت في بداية التغيير عام 2003 إلى الحزب الشيوعي العراقي الذي لا يملك أية حقيبة وزارية وقدمت لهم وزارة الثقافة بدون ميزانية للإنتاج.

وبعد أن سحبت الحقيبة الوزارية من الحزب الشيوعي العراقي أعطيت وكالة للسيد وزير الدفاع كي يصبح وزيرا للثقافة إضافة لحقيبته الوزارية. وعندما إلتقيته كان لقاؤنا في مقر وزارة الدفاع. قلت له كنت أتمنى لو اجتمعنا في مقر وزارة الثقافة وكنت أتمنى أن تدير وزارة الدفاع من وزارة الثقافة لا أن تدير وزارة الثقافة من وزارة الدفاع!

سينمائي وكاتب عراقي - مقيم في هولندا - هولندا sununu@ziggo.nl