الامتلاء الرمزي / الفراغ الرمزي
شخصية الشيخين الدوسري والجلالي (عرضناهما في التوريقتين السابقتين) يمثلان أفكار الصحوة قبل حدوثها، وهذا يؤكد ما نقوله بأن حقيقة الصحوة هي الحشود وليست الأفكار، ووجود أنشطة الشيخين منذ الستينيات بكل ما أوتيا من تكتيك، ومع ذاك لم يفلحا في تحريك الوعي ضد التيار القومي،وفي مقابل ذلك رأينا حادثة الليلة الظلماء (1991) في نادي جدة حيث اكتسح شباب الصحوة النادي وسحقوا المناسبة الحداثية بمجرد دخولهم لقاعة النادي (توريقة 8)، وهذا يثبت أن الحشد هو العلامة الجوهرية، فالشيخان عجزا عن مواجهة الحشد القومي ولم يحققا أي اختراق لامتلائه الرمزي، ولما انهزم المد العروبي وحدث الفراغ المعنوي تحركت المعاني الصحوية لتجد حشدا يبحث عن رمزية تحتويه، وتشكل الحشد وبدأت علاماته تتحرك وتفعل فاعليتها الكاسحة، مما يثبت أن الصحوة ومن قبلها العروبية هما معنى سيميائي (علاماتي) يتصل بالمعاني الثقافية حسب ظرفيتها، مما يستجلب الانتماء أولا ثم حالة التسليم الوثوقية بالرمز، وعبر هذا تتلاحم الحبكة ويتصنع الحشد الذي لا يقاوم بما إنه علامة تلتقطها ولا تصنعها، والصوت المخالف لتوجهات الحشد يضيع أثره، فقد ضاع أثر الشيخ الدوسري بخطبه وحماسه المتصل لأن الحشد الذي من حوله حشد عروبي، وحين جاء ظرف الصحوة ضاعت كل الأصوات المخالفة لها مع كل ما لدى الحداثة مثلا من حجية علمية ومرجعية معرفية لكن الجو العام كان غير مصغ لها، وهذه هي ثقافة الحشد وقوة قناعاته في مقاومة ما يخالفه، وهي حالة كل ظرف ثقافي تتصدره رؤية تهيمن وتكتسح وترفض غيرها بالضرورة النسقية.