أحمد السلامة فنان يتعامل مع لوحاته بالصبر والدقة والأناة تخطيطاً وتنقيطا
تنوع أساليب الأداء في المجال التشكيلي منحت الفنانين فرصا للتعبير.. كما أن في ذلك التنوع ما يرضي المتلقي ويتيح له مساحة كبيرة من تذوق الفن وعدم الملل في حال وجود نوع واحد أو أسلوب متكرر.
وإذا كانت غالبية الأساليب آتية مما قبلها ومن حقبات تاريخ الفنون وتجارب الفنانين على اختلاف توجهاتهم وبما كان لها من تأثير على كل جيل لاحق يتناقل فنانوه تلك الأساليب إلى الجيل الذي بعده، إلا أن الفرق يبرز في كيفية التعامل وتطويره مع تلك الأساليب في عصر أصبحت فيه الفنون تتجاوز ما قبلها وما بعدها كما نرى من صرعات وصفت بفنون ما بعد الحداثة...
السلامة ومنتصف العصا
ضيفنا اليوم الفنان أحمد السلامة متخصص وحامل لدرجة البكالوريوس في التربية الفنية تلقى خبرات عدة في فنون التشكيل ألوانا وخطوا وتشكيل خامات.. خبرات تمكنه من الخوض في أي من روافد نهر الفن التشكيلي.. لكنه وجد في المنمنمات سبيلا للتعبير وإن كانت منمنمات خاصة تندرج ضمن مدارس هذا الفن ولا تخالفه.. يقترب من الجرافيك أداء دون الولوج في تقنياته.. تنفيذا.. من خلال مراحل التخطيط والحفر والطباعة، وإنما يعتمد على قدراته في تشكيل اللوحة بصبر وأناة.
أمسك الفنان السلامة بمنتصف العصا بتكوينات العمل الفني أكاديمي وبين أسلوبه الذي تميز به من بين الفنانين في جيله، اختار فيه التعامل مع الرسم وتشكيل الخط لبناء اللوحة مختزلا اللون في نوعية الأقلام ممتطيا صهوة الخيال في اختيار الفكرة التي تتناسب مع نهجه الذي يخلو من الجهد والدقة... وصعوبة تطويع الخطوط إبراز الموضوع الذي قد يستعصي في بعض الأحيان لكن الموضوع يستسلم للفنان ويمنحه حرية التعامل معه.
الحروفية جزء من التكوين
يستلهم الفنان أحمد السلامة الحرف كجز مهم في كثير من لوحاته جامعا فيه العبارة وجمال التكوين بحرية وتصرف لا يخلان بالعنصر, دون اتكاء على قاعدة الخط بقدر ما يجد في الخط الحر كما يوصف مجالا للتحرك وتوظيفه لبناء اللوحة تبعا لنهجه التشكيلي، ينتقي العبارة بناء على ما بناه من شكل افتراضي ليتحول إلى واقع، أحيانا من آية قرآنية وتارة من حديث أو من حكمة أو من قصيدة، يتعامل معها بهدف الجذب للقراءة والتمعن، يملأ فراغ الحروف بنقوش متعددة المصادر، منها المباشر مما كان في واقعنا الشعبي المرتبط بأنماط البناء وتكسياتها وتجميلها بوحدات زخرفية من مثلثات ودوائر وتحوير زهور وأشكال هندسية صاغها الفنانون الشعبيون وأصبحت سمة لكل منطقة من مناطقنا حسب احترافية وإبداع فنانيها الشعبيين.
كما يمكن أن نرى تنوعا في الزخرفة جمع فيها الفنان السلامة شتات الكثير من شوارد العناصر الزخرفية ليعيد تشكيلها من جديد برؤية معاصرة، تحتمل الإيجاز وكذلك الكثافة أو الزخم.
اهتم الفنان السلامة برسالته الفنية ووجهها إلى خدمة الهوية الدينية، منها قيامة بتنفيذ جدارية أسماء الله الحسنى التي قال عنها لإحدى الصحف إنها من فكرة زوجة الفنان أحمد السلامة..
اللوحة مجزأة إلى لوحات صغيرة في كل منها اسمان، مزجا معا بطريقة مميزة ورائعة، مستخدما الأسلوب التنقيطي والزخرفة النباتية والشعبية.
تطويع النهج لخدمة الواقع البيئي
لا شك أن الفنان السلامة عرف ويمكن القول اشتهر من بين جيله التشكيلي باستلهام الحرف والعنصر الزخرفي وبتنفيذه لها بالتنقيطية أو الخط الجرافيكي، مع ما لامس بهذا النهج من عناصر أخرى يتطلبها الموضوع منها الخيل أو الصقر أو حتى الإنسان، إلا أننا نرى في أعماله الأخيرة اتجاها جديدا نحو الطبيعة والبيئة، وهنا لنا وقفة تحمل رأيا حول ما شاهدناه من تلك الأعمال، خصوصا التي تعامل معها بألوان باردة على مساحة معتمة لجبال أو مناظر طبيعية، أجزم أنه تأثر بها خلال زياراته لدول أوروبية، مع ما حاول بأسلوبه المتميز في الساحة المحلية أن يوظفه للمناظر من البيئة المحلية إلا أنني أراها غير ملائمة لأسلوبه ولتجربته الطويلة، وما حققه خلالها من إنتاج لأعمال غالبيتها تعتمد على الزخرفة أو الحروفية أصبحت ميزة وتميز له في الوسط التشكيلي دون أن تحمل إمضاءه، باعتبارها عالما مفتوحا تمنح الفنان خيالا رحبا، لتغنيه عن محاولة مطابقة الواقع..
الإصرار والتحدي
الحقيقة إنني حينما كتبت في فترة سابقة عن الفنان أحمد السلامة فلأنني أرى فيه الفنان الصادق مع إبداعه والمُصر على أن يكون له بصمة مختلفة مهما اختلف البعض أو اتفق البعض الآخر على تأثيرها فلن يغض الطرف عن أن الفنان السلامة حقق الخصوصية بيننا في ساحتنا المحلية، وهذا الأمر لم يأتِ بين ليلة وضحاها بقدر ما كانت نتيجة للإصرار والتحدي والصبر.
جهود تطوعية لا تقل أهمية بل تزيد
لم يتوقف الفنان أحمد السلامة عن الجوانب الإنسانية بقدر ما أصبح جزءا منها فلا يمر معرض لمؤسسة خيرية أو دارة لرعاية الأيتام أو مؤسسة تعنى بالمعاقين إلا وكان الفنان السلامة في مقدمة المساهمين بالمشاركة بلوحاته أو بتنظيم المعارض، يقوم بها تطوعا انطلاقا من حسه الإنساني كفنان فاعل في المجتمع.
سيرة ومسيرة
يحمل الفنان أحمد السلامة درجة البكالوريوس في مجال التربية الفنية ويعمل معلما للفنون في إحدى المدارس المتوسطة بالرياض، ويشارك في الكثير من اللجان لتنظيم المعارض واللجان الاستشارية، كما يقوم بتصميم المجسمات الجمالية، حاصل على الكثير من الشهادات التقديرية والدروع والأوسمة والميداليات التذكارية والإنسانية، منها ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثالثة بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-.
أبرز أعماله لهذا العام كانت اللوحة التي شارك بها في معرض المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية بمناسبة اختيار المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية لهذا العام خصصها الفنان في محبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، للرد على هجمات الإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، تحوي في مجملها ومضمونها لوحات الآيات القرآنية وبعض التشكيل بأسماء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
بجميع لغاتهم
تجاوز عدد أعماله الـ800 لوحة معظمها تم اقتناؤها في جهات أخرى أقام لبعضها نحو 8 معارض شخصية.