عندما كنا نعمل في الصحافة قبل عقدين من الزمان، كان هناك عدد كبير من الراغبين والراغبات نشر إنتاجهم الإبداعي، شعراً كان أو قصة، أو خواطر أدبية، ولم يكن للرواية آنذاك انتشار كبير، حيث كان قليلاً ما تجد من ينشر رواية على حلقات، في الصحافة المحلية كان أبرزها الروائي عبدالعزيز مشري، أما في الصحف الخليجية فكان هناك بعض الأسماء وبالذات الأسماء النسائية التي كانت تجد الجماهيرية الكبيرة والنجومية من خلال نشرها في المجلات أو الصحف الخليجية، حيث لم يكن للقنوات الفضائية وجوداً، فكانت تلك المطبوعات الأسبوعية أو الشهرية منها تمثل المتنفس الوحيد لشبان وشباب الخليج، وتساعد على إزجاء الوقت، والترويح عن النفس.
ثم حدث تحول كبير، بدأ مع ظهور القنوات الفضائية بشكل مكثف بعد العام 1991م، والتي تسبب فعلاً في تغيير الاتجاه من قبل المتلقي الذي لم يعد يجد في المجلات - على وجه الخصوص - متنفساً، أو مجالاً للتسلية والترفيه، بعد أن أصبح الإعلام المرئي بقنوات المتعددة يتيح له سيلاً من البرامج الترفيهية والبرامج الحوارية والثقافية، وكذلك المسلسلات، والأفلام والأغاني وغير ذلك، فأصبح يشاهد الرواية في عمل درامي أو سينمائي.
أما اليوم فالأمر مختلف كلياً، لم تتوقف المسألة على وجود القنوات الفضائية، لكن ظهور الشبكة العنكبوتية «الإنترنت» أحدث نقلة وتحولا كبيراً للإنسانية ككل، ولم يتوقف على قطر معين أو إقليم بعينه في العالم، بل في حياة الناس كافة، حدث ذلك في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، الذي أدى إلى أن يصبح المتلقي للرسالة الإعلامية مرسلاً ومشاركاً وفاعلاً.
وظهرت بشكل سريع وسائل كثيرة عبر الوب سايت، أحدثت نقلات حقيقية في حياة الناس، ف»الفيس بوك» أو «التويتر» أو»السكايب»، أو غيرها من الوسائل، تعد من مصادر المعلومات التي لا ينبغي إغفالها أو تجاهلها، وإنما هي وسائل جعلت المتلقي العادي مساهماً في صناعة الرسالة الإعلامية، حيث إن أي متلق إذا شاهد حدثاً ما - حتى لو كان هذا الحدث غاية في الإقليمية- باستطاعته أن يقوم بتصويره بكاميرا جواله، ومن ثم بثه عبر هذه المواقع المتنوعة، ويكون بذلك قد نقل خبراً أو حدثاً.صحيح أن هناك حديثاً كثيراً عن المصداقية في مثل هذه الأخبار ومدى التزام هذه المواقع بها، لكن تظل هناك أخبار مرتبطة بأحداث بعضها، تكون مثاراً بين الناس، فيأتي تصويرها كشواهد لها، وليعطي الحدث أكثر مصداقية واستدلالا للمتلقي صانع الحدث والمشارك فيه في الوقت ذاته.
أما شبكات التواصل الخاصة التي تعتبر من الوسائل الحديثة جدا، فهي الأخرى أحدثت نقلة حقيقية في حياة الناس وأتاحت المجال لكل من أراد أن يعبر أو أن يكتب أو أن يقدم ما لديه من أفكار، ويقدمها من خلال تلك الوسائل أو من خلال القروبات التي بدأت عبر رسائل الsms التقليدية، وتطورت حديثاً وبشكل كبير بعد ظهور برامج حديثة أبرزها الواتس أب الذي يعد - مع برامج أخرى مشابهة - نقلة حقيقية يعيشها إنسان هذا العصر، حيث أن استخدامه لايقتصر على فئة معينة من الناس، أو بيئة أو مكان، بل إنه أصبح مشاعاً للجميع بشرط أن يتوفر لديك خدمة الأنترنت، التي تسعى الدول المتقدمة إلى تعميمها في كافة بقاع الأرض، وهناك دراسات حديثة تشير إلى نية الشركات الكبرى في تعميم هذه الخدمة مجاناً في المستقبل القريب في الكرة الأرضية قاطبة نظراً لما تحققه من دخل عال، وعوائد مادية كبيرة عبر استخدام الوسائط والوسائل الحديثة، فيصبح بث خدمة الانترنت ذاتها ليست ذات قيمة تستحق أن تبحث الشركات عن مردود مادي من ورائها إذا ما قسنا العوائد المالية الكبيرة التي تتحقق عبر استخدام التطبيقات والبرامج، وعبر انتشار الإعلان التجاري في كثير من المواقع والذي بدأ يظهر بشكل تدريجي عبر برامج اليوتويوب على وجه الخصوص.
هذه النقلات التي حدثت تعيدنا إلى تلك الأيام التي كان المتلقي يعاني من عدم المقدرة على نشر إنتاجه الإبداعي أو نشر أفكاره ويتصل بالصحف الورقية بحثاً عمن ينشر له، ثم يواجه إحباطات كبيرة تتلخص في إهمال مادة، أو وجود ملاحظات رقابية أو فنية على ما يكتب أو يبدع، لكنه الآن ليس بحاجة إلى ذلك كله، فقد أصبح إي شخص بإمكانه أن يصبح مالكاً لصحيفة إلكترونية بالتعاون مع بعض أصدقائه، أو على الأقل ينشئ حساباً على التويتر أو الفيس بوك ليقدم أفكاره وكتاباته لمن يشاء وقتما يشاء، ودون أي قيود أو رقابة صارمة سوى الرقابة الذاتية من قبله.
وفي اعتقادي أن كل ما سبق يمكن أن يكون متناً لنصوص روائية، من خلال تتبع ما يكتب وينشر يمكن لأي روائي مبدع أن يجد مادة خصبة تساعده على كتابة عمل روائي مبدع وخلاق ويتماشى مع العصر الذي نعيشه.