تراجم لأئمة الحرمين الشريفين، وخطبائهما منذ عهد النبوة
إلى سنة 1432هـ
تأليف: الشيخ العلامة الدكتور صالح بن عبدالله بن محمد بن حميد
تقريظ: محمد بن ناصر العبودي
بسم الله الرحمن الرحيم
وحلقتنا الرابعة تبتدئ بالكلام على الجزء الرابع من هذا الكتاب العظيم.
والجزء الرابع أول عنوان فيه (القسم الثاني: أئمة المسجد النبوي).
وتفصيله أن أوله عنوان فرعي يقول: (الفرع الأول من القرن الأول).
ويبتدئ بذكر عبد الله بن هلال المخزومي الذي ذكر أن وفاته كانت سنة 4 من الهجرة.
وهو من الصحابة الكرام، بل إنه من الذين لهم مزايا كثيرة ذكر منها المؤلف - جزاه الله خيراً - أنه من السابقين الأولين إلى الإسلام، وقال: قال ابن إسحاق: أسلم بعد عشرة أنفس، وكان أخاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة استخلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة في غزوة ذات العشيرة.
وقال أبو نعيم: كان أول من هاجر إلى المدينة.
وبعد أن أشبع المؤلف الكلام في ترجمته ذكر ترجمة زيد بن حارثة الكلبي أمير المدينة أبي أسامة حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومولاه، فهو والد أسامة بن زيد. استخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جمادى الآخرة سنة اثنتين، وسنة خمس أيضاً.
وقال: شهد موقعة بدر والخندق والحديبية وخيبر، وكان من الرماة المذكورين من الصحابة.
ثم الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - شهد بدراً أي حضر وقعة بدر ووقعة أحد ووقعة الخندق.
قال: وكان أول خارج إلى الغزو، وآخر قافل أي آخر من يرجع من الغزو الذين يخرجون للجهاد في سبيل الله.
وهو شاعر، من شعره :
وفينا رسول الله يتلو كتابه
إذا انشق معروف من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به
موقناتٌ أنَّ ما قال واقعُ
يبيتُ يجافي جنبه عن فراشه إذا
استثقلت بالمشركين المضاجع
وقد تبسط المؤلف في ترجمة عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - وحقَّ للمؤلف أن يفعل ذلك.
وبعد عبد الله بن رواحة عبد الله بن عبد الله بن أبيِّ بن سلول وهو من الخزرج من الأنصار.
وقال: هو أمير المدينة.
وقد ترجم له كما ترجم لسابقيه، ولم ينص على أنه تولى الإمامة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذي يكون والياً على المدينة يصلي بالناس إماماً في المسجد كما سبق واستمر المؤلف بذكر من تولوا على المدينة من الصحابة يطيل في تراجم بعضهم ويختصر في تراجم آخرين.
والغالب على تراجم هؤلاء الصحابة - رضوان الله عليهم - هو التبسط والمزيد من الإيضاح إلى أن ذكر عمرو بن زائدة المعروف بابن أم مكتوم.
مات في عام 23 من الهجرة ونقل عن الواقدي قوله: استخلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة ثلاث عشرة مرة في غزواته.
ثم استمر المؤلف في ذكر الولاة على المدينة وأغلبهم من الأنصار أهل المدينة وفيهم غيرهم من المشاهير مثل الصحابي الجليل من المهاجرين عبد الرحمن بن عوف الزهري، وكان مشهوراً بثروته التي نفع الله بها المسلمين.
الفرع الذي طال:
طال هذا الفرع الأول من القرن الأول حتى بلغت صفحاته 290 صفحة من 1409 من الكتاب حتى صفحة 1601، وقد تضمن تراجم الصحابة الذين تولوا على المدينة ثم تراجم التابعين كذلك.
ولم أر المؤلف فصل بين الصحابة والتابعين، وكان مقتضى التنظيم أن يجعل المؤلف تراجم الصحابة منفصلة يذكر بعدها التابعين.
وهذا مجرد تنظيم لا يؤثر في محتوى الكتاب، وربما كان حمله على ذلك تداخل وفيات الصحابة والتابعين في الزمن.
ويشهد لذلك أنه ذكر في الفرع الثاني من القرن الأول أبا سعيد الخدري أحد الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين -.
ونقل أنه ولد سنة 10 قبل الهجرة، وأنه توفي سنة 74 بعد الهجرة أي أنه عمر أربعاً وثمانين سنة.
ولم يذكر في هذا الفرع الثاني غيره من الأئمة من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
والفرع الثالث من القرن الأول، بدأه بذكر تميم الداري من الصحابة، وقال (ص 1611):
تميم الداري وهو تميم بن أوس بن خارجة، كنيته أبورقية، كان نصرانياً ووفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أخوه نعيم بن أوس، فأسلما وأقطعهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبرى وبيت عينون بالشام، وليس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطيعة بالشام غيرها، وصحب تميمُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وغزا معه، وروى عنه، ولم يزل بالمدينة حتى تحول إلى الشام بعد قتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.
وكان يختم القرآن في ركعة، وكان يشتري الرداء بألف ليصلي فيه صلاة الليل، سكن الشام وبها مات.
وذكر نعته بأنه سيف القراء، وأنه توفي عام 33هـ.
وقد تبسط المؤلف في ترجمته مثل الذين ذكرهم في هذا الجزء الرابع من الكتاب، ولا شك أن ذلك يعود إلى وفرة المراجع التي ذكرتهم.
ولم يذكر في هذا الفرع، إلا أربعة أشخاص استغرق ذكرهم 12 صفحة.
وهذا الفرع يقل فيه مثل الفرع الذي قبله التنويه بكون المذكورين فيه قد أموا الناس في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا مفهوم السبب وهو ما ذكره من كون الذي يلي المدينة هو يؤم الناس في المسجد النبوي.
الفرع الأول من القرن الثاني:
بدأه بذكر عثمان بن حَيَّان.
وبعد أن ساق نسبه العربي وأوصله إلى غطفان ذكر أنه مولى أم الدرداء، ويقال: مولى عتبة بن أبي سفيان بن حرب. وذكر أنه توفي في عام 105هـ.
استمر المؤلف الكريم في ذكر الفرع من القرن ثم فرع أو فروع أخرى من القرن الذي يليه حتى انتهى المجلد الرابع من هذا الكتاب الحافل بالفرع الثاني من القرن الثامن الهجري.
وهو الفرع الذي ينتهي بانتهائه المجلد الرابع من هذا السفر العظيم: (تاريخ أمة في سير أئمة).
ويسترعي الانتباه في هذا الفرع كثرة الأئمة في المسجد النبوي من غير ذوي الأصول العربية، أو أنهم من بلاد الأعاجم حيث ذكر فيه أحمد بن محمد الشهاب الصغاني، نسبة إلى صغانيان في جهة تاجيكستان الآن. وقد توفي في سنة 726هـ.
وبعده يحيى التونسي، وبعدهما إبراهيم بن مسعود الإربلي الأصل القاهري، ثم عبد الكريم بن عبد المعز الواسطي. وترجمته فيها غرابة (ص 1806، وص 1807).
قال: عبد الكريم بن عبد المعز الواسطي توفي 735هـ:
قال ابن فرحون: كان من أهل العلم، وأرباب القلوب، دخل المدينة للزيارة فوقف على باب السلام، ثم سلم من مكانه، فقيل له، فقال: لم أجدني أهلاً للدخول عليه، ولا للوقوف بين يديه، من أنا حينئذ حتى أصلح لذلك! ثم أقام بالمدينة.
وللناس فيه اعتقاد زائد، متقن العمل لا يعتريه خلل.
قال ابن فرحون: كنت إذا أخذت معه في شيء من أمور الدنيا كان جوابه بأحوال الأخرى، فينقطع معه الكلام.
وكان مسكنه في بيت عبد الله البكري على تقشف وفقر، قال لي يوماً والجماعة معي: رأيت البارحة هذا الفقير الذي أقام عندنا؟ وأشار إلى الشيخ أي الخراز على المنبر يخطب رأيته بعد وفاة أبي الحسن على المنبر يخطب ولابد له من ذلك، فكان كذلك رأيته بعد وفاة أبي الحسن على المنبر خطيباً استنابه القاضي سراج الدين فيها وفي الإمامة فقام بها أحسن قيام.
الجزء الخامس:
أنهى المؤلف الكريم الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد الجزء الرابع من كتابه: (تاريخ أمة في سير أئمة) عند صفحة 1811 من صفحات جميع الكتاب وابتدأ الجزء الخامس الذي هو مجلد لوحده، وهو آخر الكتاب بصفحة 1820 وبعنوان لفظه:
الفرع الأول من القرن التاسع: وهو القسم الثاني من قسمي الكتاب متعلق بالذين تولوا الإمامة والخطابة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة المنورة.
وقد بدأ بترجمة الحافظ (زين الدين العراقي) المحدث الشهير المتوفى عام 806 هـ وقعت ترجمته في إحدى عشرة صفحة، ذكر منها مما يتعلق بالإمامة في المدينة المنورة هذا النص:
ولي القضاء والخطابة مع الإمامة في المدينة الشريفة، على الحال بها أفضل الصلاة والسلام.
انتهى.
والحال بالمدينة من الحلول في البلد بمعنى الإقامة، أما الحافظ العراقي الشيخ أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم الولي أي وليُّ الدين، ويعرف كأبيه بابن العراقي: فقد جاءت ترجمته في الكتاب في 14 صفحة لم أجد فيها ما يتعلق بالإمامة إلا هذا العبارة: وكان ولي قضاء المدينة والخطابة ثم صرف.
إلا إذا كان المؤلف ذكر ذلك في موضع آخر لم أفطن له.
وكذلك القول في شهاب الدين الخفاجي فقد استغرقت ترجمته خمس عشرة صفحة لم أجد فيها ذكراً لإمامته في المسجد النبوي إلاَّ الجملة التالية:
«قلت: وهو مذكور في عقود اللآلي في أسماء الأئمة والخطباء من القرن السابع إلى القرن الحالي (ص 1907)».
وقد صار التبسط والإيضاح في تراجم الذين ذكرهم المؤلف في هذا القسم الثاني من الذين تولوا الإمامة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة هو السائد.
وهذه التراجم فيها فوائد مهمة كثيرة ولكن فيها أيضاً اصطلاحات للمحدثين مثل سَمع بفتح السين وكسر الميم الحديث من فلان وسَمّع - بتشديد الميم - بمعنى حدث بالحديث.
وعلى ذكر المعروفين بابن العراقي أقول: إن المؤلف أثابه الله ترجم للشيخ سعد الدين علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن العراق - لعلها العراقي.
ولد - كما ذكره والده سنة سبع وتسعمائة بساحل بيروت وتوفي سنة 963هـ.
وبعض الذين ترجموه ذكروا أن له قوة من نظم الأشعار الفائقة (ص 1877، وص 1878) واقتدار على نقد الشعر.
واستمر المؤلف الكريم على ذلك حتى وصل إلى الوقت الحاضر، وهو يترجم لمن تولوا الإمامة في المسجد النبوي، ويورد المعلومات المهمة عنهم، إلا إذا لم يجد معلومات متوافرة فإنه يعتذر عن ذلك، ويترك ذلك لفطنة القارئ.
وآخر من ذكرهم عمار بن زهير حافظ المولود في عام 1382هـ وكان لا يزال على قيد الحياة عند ذكره في الكتاب.
وذكر المؤلف أنه أم في المسجد النبوي في صلاة التراويح والتهجد في شهر رمضان سنة 1432هـ.
وكانت صفحات الكتاب كله عندما فرغ المؤلف من ترجمته قد بلغت 2088 صفحة، وكان المفهوم أن يدع قلمه يخلد إلى الراحة من هذا الموضوع الواسع الذي أوفاه حقه، لكنه لم يفعل، وإنما أورد عنواناً لفظه (نوادر) ذكر تحته ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان وترجمة صاحب السماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
ثم ختم الكتاب بذكر من لم توجد له ترجمة وعددهم مائتان واثنان وثلاثون ذكر ذلك هنا للفائدة، واستغرق ست عشر صفحة من صفحات الكتاب، وصفحاتها (ص 2114) حتى ص 2131).
ثم ذكر المؤلف (الخلاصة والنتائج والتوصيات) في (ص 2135) وصفحة 2136 وص 2137).
ثم الفهارس.
والخلاصة أن هذا كتاب مهم، بل هو كنز من المعرفة، ثمين حول موضوع الإمامة في الحرمين الشريفين، وواجب العلماء والباحثين أن يستفيدوا منه وأن يحتفوا به، ويذكروا مؤلفه بالخير والاطلاع الواسع.
انتهى.