عاملان يؤثران في نجاح أي ملتقى ثقافيّ: مستوى التنظيم الإداري ومستوى الأعمال البحثية المقدمة مدى وفائها بالمحاور المقررة لموضوع اللقاء، وأما المستوى الأول فقد كان موفقًا كل التوفيق؛ إذ تظافرت جهود المسؤولين عن التنظيم في سبيل إنجاح المهرجان ابتداءًا بحسن الاستقبال وتسهيل مهمة المشاركين وتلبية ما يحتاجون إليه، وأما الأعمال البحثية فقد اتصفت بالرصانة والإبداع وتلبية مقتضيات محاور موضوع المهرجان وهو «العربية في أدب الجزيرة والخليج العربي الواقع والمأمول قراءة في لغة الإبداع الأدبي»، وأفسح المهرجان بهذا الموضوع مجالًا للغويين ليبدوا رأيهم بلغة الأدب الإبداعي التي كانت مجالًا للتخفف من قيودهم، وكان النحويون منذ عهد مبكّر يتتبعون مخالفات الشعراء وإن اعتذروا لهم بما سميّ بالضرورات الشعرية، وكان عبدالله بن أبي إسحاق من أشهر من تتبع الشعراء وبخاصة الفرزدق حتى أجاءه إلى هجائه ببيت لم يسلم من نقد الحضرمي أيضًا، وليس من هدف اللغويين القدماء أو المحدثين الزراية أو عيب لغة الأدب ولكنها غيرة مزدوجة، فهي غيرة على اللغة من ناحية، وغيرة على جماليات الأدب أن يشوبها اللحن أو استعمال ما لا يحقق غرض المبدع لجهله بالاستعمال الصحيح.
وأما «(جُواثى) بضم أوله وبالثاء المثلثة، [فهي] مدينة بالبحرين [محافظة الأحساء الآن] لعبدالقيس، قال امرؤ القيس:
ورُحنا كأنّا من جُواثى عشيةً ... نُعالي النعاجَ بين عَدلٍ ومُشْنَقِ
يريد كأنّا من تجار جواثى لكثرة ما معهم من الصيد، أراد كثرة أمتعة تجار جواثى، بين عدل أي بين معدول في أعدال، ومشنق أي معلّق. وأول جمعة جمّعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بجُواثى من البحرين [628م]، نقله البخاري. وكان الصدّيق رضي الله عنه بعث العلاء بن الحضرمي واليًا على البحرين، فسار حتى نزل حصن جُواثى فسار إليه من ارتد من أهل البحرين فحصروه ومن معه بجُواثى، فقال بعضهم:
ألا أبلغ أبا بكر رسولا ... وسكان المدينة أجمعينا
فهل لكم إلى نفر يسير ... مقيم في جُواثى محصرينا
توكلنا على الرحمن إنّا ... وجدنا النصر للمتوكلينا
ثم إنّ المسلمين بَيَّتوهم ووضعوا فيهم السلاح، فلم يفلت من المرتدة أحد، وغنم المسلمون خيولهم ومتاعهم، وبعث بمال كثير إلى المدينة، ثم سار العلاء بن الحضرمي إلى الخط.
وحدّث الأصمعي قال: كان قوم من أهل البحرين من جُواثى يتواصلون على العلم والأدب، فغاب رجل منهم إلى أكناف العراق فأقام بها برهة ثم عاد فوجد قريبين له قد ماتا فضرب على قبريهما فسطاطًا وأقام حولًا بينهما فلما انقضى الحول قوض فسطاطه ثم قال [قصيدة جاء فيها]:
ألم تعلما ما لي براوند كلها ... ولا بجواثى من حبيب سواكما»(1)
فالعلم والأدب في جُواثى قديم، والخير فيها عميم، وقاطنها كريم تجلى هذا الكرم في تسابق أهالي الأحساء إلى الحفاوتهم البالغة بضيوف المؤتمر والتسابق إلى إضافتهم، وهذه عادة أهلنا في مناطقنا المختلفة، وجدته من قبل في أماكن أتيح لي زيارتها منها: الباحة، والزلفي والدوادمي، وبريدة، والمذنب، وعنيزة.
** ** **
(1) الروض المعطار في خبر الأقطار لمحمد بن عبد المنعم الحِميري ص181.