Saturday 03/05/2014 Issue 436 السبت 4 ,رجب 1435 العدد
03/05/2014

عشرة أفلام

في منتصف القرن الماضي أعلن ولأول مرة عن أهم عشرة أفلام في تاريخ السينما لغاية نهاية العام 1950 وكانت بعض الأفلام ممنتجة بالأسود والأبيض أي قبل ظهور اللون في السينما. من يختار هذه الأفلام العشرة؟ هناك مؤسسة سينمائية أمريكية المنتسبون إليها ثلاثة آلاف وستمائة سينمائي، من نقاد وكتاب ومنتجين وتقنيين، جميعهم معنيون بشؤون السينما وتقييم الأفلام ولهم تأثير مباشر في ترشيح الأفلام والمبدعين لجوائز الأوسكار. هم الذين رشحوا أعظم عشرة أفلام في تاريخ السينما. علينا أن نلاحظ كم العدد قليل من بين آلاف الأفلام التي تنتج سنوياً في أنحاء العالم. والترشيح يأتي بانتقاء الأفلام العظيمة خلال خمسين عاما. نفس الشيء حصل في نهاية القرن.

دلالة هذه الأفلام العشرة أن السينما فن صعب وفن له مواصفات دقيقة وحساسة تتعلق بقيم فكرية وأخرى فنية جمالية.

إن ما ينتج من الأفلام في العالم من الأفلام الهندية والعربية والأفلام التركية والبريطانية والفرنسية وحتى الأفلام الأمريكية ومنها ما هو قياسي ونظامي في مفهوم السينما، كل هذه الأفلام لا تحتوي القيمة الفنية الحقيقة للفيلم السينمائي، هي أفلام ممتازة ومؤثرة ولكنها لا تصل إلى مستوى التألق والحلم والبناء والأداء واللون والصوت والمؤثرات. فالمخرج الذي يحقق فيلما بمستوى ثقافي في تحليل الواقع أو انتقاء الموضوع أو التعبير عنه بصيغة بنيوية درامية وبأدوات تعبير متطورة ويستخدمها مبدعون من المصورين ومن مهندسي الصوت والموسيقيين. كل هؤلاء يصلون بالفيلم إلى مستوى العمل السيمفوني المرئي كي يستحقوا أن يتم اختيار ذلك الفيلم ضمن أعظم عشرة أفلام كل خمسين عاما. والشخص المشارك في انتقاء الأفلام من بين هؤلاء المتمكنين من لغة السينما قد يختار الفيلم أو يعطي صوته لمرة واحدة في الحياة لأنه في الخمسين عاما التالية يكون قد غادر الحياة. ما هذا الشعور بالمسؤولية إزاء هذه الأداة الثقافية الخطيرة التي ربما لا ينتبه إليها أحد من أبناء هذا الجيل أو حتى الجيل الذي قبله أو المشغولون بأسعار الطماطم واللبن واستقبال برامج التلفزة لقضاء الوقت قبل النوم.

قد ينشر الخبر في الصحف العربية وقد ينشر في هامش مهمل من الجريدة الورقية أو الإلكترونية وقد لا ينشر أيضاً وإذا ما نشر فهو لا يسترعي الانتباه للقراءة.

السينما تبدو سهلة اليوم وفي عالمنا العربي أكثر سهولة، فهي مهنة ومجال رزق. هي ليست هاجسا ولا حلما. لذلك تأتي الأفلام ويخوض غمارها مخرجون ومخرجات ويلقون بالأفلام في المهرجانات وصالات العرض وتتكدس الأفلام وتحتاج إلى مخازن ووسائل حفظ.

في أمريكا أولا وفي أوربا بعدها ومن ثم العالم الثالث والرابع والخامس تقدم الإحصائيات عن واردات الأفلام ويذهب الناس للمتعة لمشاهدة الأفلام الأكثر إثارة، ولكن الأفلام، تلك الأفلام التي هزت مشاعر المشاهدين، المدرعة بوتمكن، موبي ديك، الشيخ والبحر، مشرب الشاي تحت ضوء القمر، غابة البتولا، العار، سالومي، سارق الدراجة، ماما روما، الحياة الحلوة، بشعون قذرون وأشرار، أغنية تحت المطر، كابريه، وقائمة ليست طويلة جدا، تلك الأفلام التي من خلالها يتم اختيار أهم عشرة أفلام كل خمسين عاما مسألة ليست بالأمر الهين. تلك الأفلام يقف وراءها مخرجون حقيقيون يتمتعون بالثقافة والثقافة السينمائية ويقف وراءها منتجون من عشاق السينما، والأهم من هذا فلقد تشكل وعي المشاهدة في أوربا بحيث إن تلك الأفلام التي هي ليست تجارية، بل هي قيمة فنية حققت الكثير من النجاحات الاقتصادية وهي ليست تجارية. وبقيت ممتعة ولا تمل المشاهدة منها.

يتأكد لنا أن السينما هي ثقافة وإذا لم تجنح نحو هذا المسار تبقى نشاطا محضا. مهنة واستهلاك، وإثارة وصحافة تكتب عنها وتحاول أن تصنع النجوم بشتى الأشكال والوسائل، الثقافة أبعد ما تكون عنها.

كلمة سينما تسمى الفن السابع إذ هي جامعة الفنون وجامعة الثقافات ومؤثرة في الذات الإنسانية.

يوم شاهدت فيلم «غابة البتولا» كنت في يوم متعبا ومصابا بحالة من الاكتئاب الشديد ومحاصر على صعد شتى، وكنت مللت المواصلة في الحياة والأفق كان مسدودا أمامي تماما. مررت على صالة سينما الكندي في دمشق وشاهدت الأفيش السينمائي وعليه اسم فايدا واسم الفيلم غابات البتولا. دخلت الصالة وخرجت بعد ساعتين كمن اغتسل من خطايا وأخطاء كثيرة وعدت إلى حيث أسكن ونمت هادئا.

- هولندا k.h.sununu@gmail.com