أتحرّز كثيراً في القول بأن شخصاً ما هو القصيدة، ولكنني أمام عبدالكريم العودة، لا أجد وصفاً يشابه جوهره، إلا في القلة من أمثاله، ولذا سأزحزح تحرّزي جانباً، لأقول بأنه هو الإنسان القصيدة، الأشد عذوبة وعمقاً ونبلاً وألقاً في حياتنا الثقافية.
فهو القصيدة في ابتسامة الماء التي لا تفارق محياه، وفي البياض الذي يشعُّ من فؤاده، نبلاً ومعرفة وخلقاً كريماً، على كل ما حوله. وهو أحد أغصان التنوير والإبداع في مراحل تجذّر تشكّلات الحداثة الأدبية في بلادنا منذ منتصف سبعينيات القرن المنصرم، حيث يمكن أن نجد تلك الفعالية في مقالاته، وفي إشرافه مع صديقه الحميم محمد علوان على الصفحات الأدبية في مجلة اليمامة، وفي قصائده المكتنزة بحداثة الرؤيا والتعبير. ولسوف نلقاه في موقع أكثر تأثيراً حين كان يعمل في قسم المطبوعات بوزارة الإعلام، حين قام مع محمد علوان بدور ثقافي رائد، في عملية إجازة وفسح الكتب الجديدة، التي ألِف مراقب المطبوعات، من قبل، مصادرتها على الاسم دون تردد.
لقد عمل عبدالكريم العودة ومحمد علوان وحسين علي حسين بجهد خلاّق على إقناع المسؤولين بفتح الباب على الثقافة الجديدة، في الشعر والنقد والرواية، وكان من ثمار ذلك الجهد أن أصبحت مكتبة «دار العلوم» في الرياض مزاراً للجيل الجديد ومعرضاً للكتاب يرتاده المهتمون بفرح ثقافي خالص، من الرياض والقصيم والشرقية، مثلما يرافقنا الفرح اليوم في زيارتنا لمعرض الرياض الدولي للكتاب.
عبد الكريم العودة، شجرة دائمة الخضرة، وظلٌ رطيب لمحبيه، لا يغيب عن القلب، وإن تباعدت بيننا المسافات، ما أن ترى مطراً يهلُّ أو ماءً يسيل أو زهرةً تتفتّح، إلا وتتذكره مثقفاً عميق الغور، وكاتباً نقدياً صادقاً، وشاعراً متميّزاً -رغم قلة نتاجاته-، وإنساناً لا يجود الزمان بأمثاله إلا قليلاً.
وإذ تغدو هذه الكلمات العجلى «تلويحةً» لتحية صديقي المثقف والشاعر الكبير عبد الكريم العودة، وهو يرقد على البعد في مستشفى في الصين، فإنني أفتح الذاكرة معه لاستعادة الكثير من مقالاته التي خصص بعضها للحديث عن الأوضاع الاقتصادية القاسية التي عاشها فقراء الوطن في زمن الطفرة الأولى، ومنها تلك المقالة المعروفة التي توقف فيها أمام المفارقات المعيشية ما بين ساكني فندق قصر الرياض وما بين جيرانهم في العشش الفقيرة التي كانت تقبع خلف الفندق، وعلى ضوء ذلك أقرأ قصيدته الشهيرة «وجه الشنفرة يملأ الأفق» وأختار منها هذه الكلمات.
«زمانك هذا، فكن نخلةً نتفيأ
أو نجمةً أو شهاباً،
وكن ضارياً من وعول الجبال
فأنت الخزامى، ورائحة الشيح
أنت المطر».
يا عبد الكريم .. يا صديقنا النبيل
قلوبنا معك
وننتظر مع كل محبيك عودتك
سالماً معافى ، بإذن الله، قريباً
إلى الأهل والوطن