حينما تطغى النرجسية ويكون النَفَس المادي النفعي هو المسيطر على ذوي الثراء الفاحش فلا تسأل بعد ذلك عن حجم الإذلال الذي سيطال الفقراء وذوي الدخل المحدود الذين يضطر كثير منهم وفي سبيل الحصول على لقمة العيش وعلى الحد الأدنى مما يسد به الرمق يضطر كثير منهم وتحت إلحاح مطالب الحياة الضرورية المتزايدة إلى التنازل عن قدر من الكرامة وتَحمّل ألوان من الإذلال الذي لا يطاق!
حينما يضمر المقصد التعبدي لدى ذوي اليسار فإن الزكاة الواجبة يجري تصويرها على أنها صدقة مستحبة ولون من ألوان البذل والعطاء المجاني, تأدية الواجب هنا تصبح نوعا من المنة التي يتفضل بها الأثرياء - مشكورين!- على الجياع والمحرومين الذين أرهقتهم ظروف الحياة المعاصرة وأنهكتهم تلك التكاليف الباهظة التي لا تكف عن التفاقم وبشكل يفوق الطاقة على الاحتمال!
حينما تطغى النزعة المصلحية ويكون الثري مهووسا بالحضور الإعلامي وذيعان الصيت فإنه سيجعل من تلك الزكاة الواجبة في ماله - الذي لم يظفر به إلا بعد عرق الجبين!- سيجعل منها صدقة يتم إبطالها بالمن والأذى بل ويتم امتطاء صهوتها لبلوغ الشهرة والترويج لذات بلغ بها التورم مبلغه حتى استسمنها البسطاء فأشبعوها من ضروب الإطراء وكالوا لها أنواع الثناء الباذخ!
الثري هنا يتسلق على أكتاف الفقير, وهنا مصيبة حينما يتعاطى الغني مع الفقير بوصفه جسرا بل وطريقا مختصرا إلى الوجاهة الشعبية والانتشار الإعلامي, الوضعية هنا معكوسة فالغني هو الذي يحتاج إلى الفقير أكثر لأنه لا يمكن أن يوصف هذا الغني بالكرم ولا يمكن أن يُمدح بالعطاء إلا بوجود فقير يتجسد هذا العطاء من خلاله! ولذا فلو لم يكن ثمة فقير لتمت صناعته على عين الغني كوسيلة لازمة لإشباع غرور الذات, وهذا هو ما يجعل - أحيانا - الممارسة الإنفاقية سلوكا نفاقيا ومسرحية هزيلة يتم الإعداد لإخراجها بعناية فائقة! وهذا يعني أن الفضل في النهاية هي للفقير لكن مع ذلك يتم نكران جميله وإظهار اليد السفلى بطريقة لا تبعث إلا على الاشمئزاز!
في تلك الأجواء الضاغطة وتلك الضرورات الحياتية المتزايدة يبيت الفقير بين أمرين أحلاهما شديد المرارة: إما يحتفظ بكرامته وينأى بذاته وهنا سيكون صيدا سهل المشاعر التهميش والإحباط والترسبات المقيتة والمعاناة الشعورية التي لا تقف تداعياتها عند حد ,وإما الانخراط في موجات التذلل والاستجداء والاستنجاد واستصراخ مشاعر الأثرياء!