السياق الملون
مرت الصحوة ( 87ـ 97 ) بصيغة ثقافية توافقت فيها مع الموجة العروبية، من حيث هما معا ثقافة للحشود، بصيغة كلية ومطلقة، ومن حيث هي تسليم بما يراه الرمز حتى ليصبح ثقة، ومن ثم كل ما يقوله هو أمر غير قابل للشك وما يقوله الثقة فهو موثوق، ونحن ننظر لماضينا العروبي ونغضب على تسليمنا بكل ما كان يقوله الرمز، حيث لم نك نسائل الزعيم عن قوله وكان الويل لمن تشكك منا بما قاله الزعيم، وكذا كان جيل الصحوة، وقد قدمت أمثلة لهذا في التوريقات الماضية، كما كشفت عنها كلمات نماذج المرحلة. وإن كان اليسار العربي قد انكسر فعلا فإن الصحوة استفادت من زمن ثقافة الصورة لكي تبدل علاماتها، وتدخل في ظرف ثقافي مختلف، وتندمج في (التعددية الثقافية) ليس بقرار وتخطيط إنما بتسليم بشروط الواقع، وهي ثقافة الما بعد، حيث لم يعد البرهان هو ما قاله الزعيم، وقد فقد الزعيم فردانيته المطلقة، وصار صوتا ضمن أصوات، بعضها تنافسه وبعضها تناقضه وبعض آخر يقدم بديلا ثقافيا له قدرة خطرة على الإغراء، وكل هذه نماذج حية ومعروضة حتى صارت الجماهير في خيار وكأنما هي في سوبر ماركت أفكار، ومن ثم بقيت الصحوة صيغة من صيغ في مشهد عريض صفته أنه متعدد وملون، حيث صار البرهان تنافسيا وقياسيا، والجمهور عريض ومفتوح ويتحدى القائل بطلبه للبرهان، والغالب أن الجمهور صار يسعى لقياس قول هذا بـأقاويل غيره، وهذه هي مرحلة التعددية الثقافية على كل الأطراف كما نمر بها اليوم.