في الفترة الماضية كان هناك حدث لافت شد انتباه الكثيرين وذلك حينما أقدمت أحد السيدات على وصف نظيرة لها بـ»العبدة» على نحو أثار مشاعر الأخيرة فاندفعت جراء ذلك إلى رفع الشكوى وتصعيد القضية ومتابعتها لدى الجهات الأمنية والقضائية وممارسة لون من الكفاح الحقوقي وعلى نحو أعاد إلى الأذهان قصة (روزاباركيس) الشهيرة والتي رفضت أن تبرح مقعدها لصالح رجل أبيض وربما أنها لم تكن تعلم حينئذ ولم تكن تحسب بادي الرأي أنها بتلك الصرخة الاحتجاجية وبذلك الرفض العفوي التلقائي لم تكن تعلم أنها قد دشنت حجر الأساس لإنهاء حالة التمييز العنصري ووضع حد لتلك الهيمنة الطويلة المدى للرجل الأبيض .
تسود لدينا أحيانا حالة من المشاعر العنصرية البغيضة لاعتبارات متنوعة إما الجنس أو اللون أو القبيلة أو لطبيعة الانتماء الأسري وعلى نحو يقسم أبناء الوطن الواحد ويفتت اللحمة الاجتماعية ولاجرم أن العنصرية مادخلت في شيء إلاشانته ذلك لأن المسكون بروح التعنصر يدور حيث تدور مشاعره العنصرية قبائلية كانت أو مناطقية أو عرقية فهو واقع تحت سطوة تلك المشاعر فهو يصنع على عينها ويأتمر بأمرها حتى صارت معظم المعايير لديه تخضع لهذا المنطق وأحكامه ومواقفه وكافة مشغولاته هي عند التأمل أسيرة لبعد قبلي غارق في العنصرية ومتماه إلى حد الانصياع التام لتلك الإيحاءات والانساق التي تمده بالغي وتحيط به إحاطة السوار بالمعصم!.
إن مفردات من قبيل: خضيري وقبيلي،وطرش بحر،وحضري وبدوي هي التي تشكل وقودا لإذكاء الفرقة وبث عوامل التشظي ولاشك أن النظرة الدونية والتعنصر حينما ينبعث من مرقده فإنه يمزق المجتمع ويهمش أخلاقيات التعامل على نحو تتوسع جراءه الهوة بين أفراد المجتمع الذي سيغدو على إثرها – شعر أو لم يشعر- ضحية لألوان من أشكال التعبئة العنصرية التي لاتنجح إلا في تعزيز فرص إضعاف السلم الأهلي وتوليد بذور الانقسام، والإشكالية إلا كبر هنا هو أننا كثيرا ماندين العنصرية ونندد بها ونتواصى على مناوءة بواعثها لكن هذا على مستوى العلن فقط،أما في السر فنحن نتعاطاها بل وتؤثر في كثير من أحكامنا وقراراتنا ومواقفنا العامة على نحو يكشف عن عطب ثقافي يتغلغل في تلك البيئة التي ليس بمقدرها الانفكاك عن إيحاءاته وتأثيره!
إنه لابد من وضع أنظمة وسن قوانين حقوقية صارمة ضد كافة أشكال التمييز وقبل ذلك رفع مستوى الوعي بأن مكانة المرء وقيمته لاتستوحى من انتماء قبلي ولا من تشكل جغرافي ولامن حس عنصري مرهف يتلبسه في كل آن وإنما هي مرتبطة - شرعا وعقلا - بالكفاءة والقدرة على التجاوز