تصيبنا أحياناً الخيبة وفقد الأمل من أمور حياتية متعددة، قد تصنف بأنها مهمة وملحة في كثير من الأحيان، ولكن نجد بطريقة وبآلية مخرجاً للتخلص والهروب من هذه الأزمة.. نعم التغلب على بعض الضغوطات وتجاوزها يعطي دافعاً لحفر جداول تسير من خلالها تيارات جارفة، وإن تأخرت قليلاً. قد لا تكون لهذه المقدمة علاقة مباشرة أو ظاهرية - عند البعض - بما يحتويه موضوع مقالي في هذه الزاوية ولكنها تحيط به وتتعمق في أبعاده، ولكنني أردت أن أبدأ بها.. آلية النشر في صحفنا المحلية تخضع لضوابط وسياسات محددة، يجب أن تكون المادة المراد نشرها تتماشى وهذه الضوابط، وأن النشر يعتبر تطوراً ودفعة قوية نحو تطور الإبداع والكتابة، وهنا أقصد كل أنواع الإنتاج الإبداعي سواء كتابات شعرية أم نثرية وسردية، وحتى الكتابة في قالب المقالة أو المقال، وأن صحفنا تعتبر من الصحف المميزة في هذا المجال إلا أنها أحياناً تستغفل، بل تبعد مبدعين بمعنى عدم النشر لهم، رغم جودة نتاجهم الإبداعي، ولعلي حينما أرمي هذه التهمة لا أرميها عبثاً أو جزافاً، حيث لدي نموذجاً لأحد المبدعين الشباب والمتحمسين في مجال الكتابة والإبداع وهو الشاعر الشاب عبد الله العطية، الذي يمتلك موهبة شعرية رائعة، ولديه قلم جميل كجمال موسيقى حروفه، وأن شاعرنا الشاب قد أرسل ولأكثر من مرة مقالاً قد كتبه إلى أكثر من صحيفة، ولكنه هُمِّش ولم ير النور، ولكي أكون أكثر واقعية سأنشر هنا هذا المقال الذي عنونه بـ «أدب في الممازحة» وكتب تحت هذا العنوان ما هو آت : (إن الحديث عن السخرية في الأدب العربي هو الحديثُ عن الألم المدفون داخل العمق المتألّم ولا يمكن أن نقول متألم لأنه في حالة الألم، بل إنه فيه لأنه يتألم!!
ولا بد أن لكل داء دواء يُصطنع له ليشفي كربته التي يشفُّ منها لذلك يصنع الأديب السخرية من خلف ما ذُكر وهي من الأساليب التي يصعب على الأديب إتقان فنها من حيث المبالغة تضخيماً وتصغيراً، إذ إنه لا يكتب من أجل الضحك وإلا كان ذلك تهريجاً!! وقد كتب الأدباء الشعر والروايات والفنون التشكيلية والمسرحيات الساخرة كما نجده في كليلة ودمنة والبخلاء ونوادر جحا وغيرها وفي الواقع هي مرتبطة بالهزء أو التحقير من حيث الدلالة لكن يحتاج الأديب إلى الذكاء أو الدقة أو الفطنة الشديدة لكي يستطيع أن يتقن ذلك الفن الذي يمتد في مداه نحو مدار المثالية والواقع.
بعض الشعراء سلاحهم السخرية منذ أن وُجد الأسلوب في المجتمع الإنساني وحيث إنه وُجد من الأزل البعيد كالرسومات والنحت التي تعبر عن النقص أو الفقر حينما لا تعتبر الحياة الاجتماعية جميلة أو أنها تكون انتقاماً من الانتقامات المستخدمة في الهجاء الذي لا يهدف إلى زرع الأحقاد إلا أن غايته الإصلاح والفكاهة لتهدِّئ النفوس وتحاكي آلامهم عن طريق المزاح بعيداً عن التهكم الذي ينال من الأعراض وقريباً من الطرفة التي تدخل البهجة والسرور في الحياة الاجتماعية.
وهناك ممن استخدم السخرية في الهجاء بغرض تقبيح الطرف المهجو أو لمحاربة العادات السيئة والعيوب الخلقية لكنني أرى من وجهة نظري إنه لا بد أن لا يكون فاحشاً في القول أو مباشراً للمهجو وإنما إشارة للفائدة والنقد حتى تعم لجميع المثقفين وبالتالي الهدف هو وصول الرسالة لا أكثر ويبقى الأدب الساخر متناقضاً في مجونه وصوره المتضادة!!
تجدد في عصرنا الشكل الساخر خلافاً لما سبق من العصور القديمة التي تستخدمه في الهجاء والذم إلا أن الأسلوب هنا في مرحلة متطورة ليفرق بين الهجاء والأدب الساخر في نسيج النقائض التي يمر بها، إذ إنه حفل بصور وبروز جراء الصراعات في سبيل معالجة القضايا الإنسانية بأشكالها المختلفة والذي كان هذا النوع لسان الأديب العربي فأنا أعتقد أن الممازحة الجميلة لا بد أن تذاع لما فيها من الأدب الجميل) انتهى المقال.. وبهذا أكتفي ولكم الرأي.