لقد أبهجني كثيرا الملف الخاص بالشاعر السعودي الكبير أحمد الصالح (مسافر..)، الذي قامت به المجلة الثقافية في عددها الذي رقمه 428، والصادر في يوم السبت 15-4-1435هـ، الموافق 15-2-2014م، وكنت أتمنى أن أكون ضمن المشاركين في هذا الملف، ولكن لا بأس أن أشارك بهذا الموضوع ولو بعد صدوره، وأحسب أن القائمين على المجلة الثقافية لم يكن لديهم علم بصلتي القريبة من أستاذنا الشاعر أحمد الصالح ومواقفي الجميلة معه، وأنا لم يكن لدي علم بعزم المجلة الثقافية إصدار ملف عنه، ويسرني أن أعرض بعض مواقف وذكريات مع أستاذنا الصالح.. منها: أنه قد فاض كرمه - ذات وقت -، بهذه الأبيات الرائعة التي ألبستني ثوبا فضفاضا، بعد أن أهديته نسخة من ديوان (بوح)، فرد الإهداء بأحسن منه عبر تفضله بنسخة من تحفته المعنونة بـ(المجموعة الأولى) التي صدرت عام: 2004- 1425م، وقد أشار الأستاذ (أبو محمد) في هذه الأبيات الجميلة إلى أسماء بعض (القوارير) التي وردت في بعض قصائد الديوان.. محاكاة،ومعارضة وتَرَسُّل، كما يفعل الشعراء في بعض إخوانياتهم، وقد أضاءت هذه الأبيات رسالة أدبية- وثيقة، أنشر صورتها الضوئية هنا (لأول مرة)، وأنقل نصها للقراء:
أخي العزيز الأستاذ الشاعر محمد الجلواح وفقه الله
تحياتي وأشواقي: آمل أن تكون والأسرة الكريمة يأتم الصحة والسعادة وأن يكون باب الشعر مفتوحا على مصراع القلب ومصراع الروح، وأن الشاعر الجلواح يعيش في بحبوحة الحب وفي زمن التألق الإبداعي برفقة الأبيات التي استلهمتها من مجموعتك الشعرية (بَوْح)، وهذا الدفق الشعري ينبض بروح تلك الإشرافات الحميمة في شعرك:
للشعر نكهَتُهُ وطيْبُ أريجِهِ
وبه احتفاءُ أوانِسِ، ومِلاحِ
تعويذة ُ العشاق في لُغة الهوى
يُرْضِي غرورَ (عهودِ) (حُسْنِ) (سَماح)
وله لدى (شَيْما) المحاسن حسنها
في أعين نُجْلِ ٍ، مِراضِ، صِحاح
وإليه (أروى) تَسْتَلِذّ (منى) اللقا
و(ربابُ) مثلُ (سعادُ)، بل ك (صباح)!
و(هِتاف) قلبٍ، بال (عَفاف) لشاعر
عذب ِالقريض، كما السّلاف قراح
فإليه ِ غانية ٌ تذوبُ صبابة ً
وتقول: في حَوَرِ العيون ِ سلاحي
هذا الذي إنْ قال َ أسْكَرَ عاشقا
وإذا أفاضَ: الشعْر.. كان الصاحي
في شِعْرهِ غُرَرٌ كأنفاس الرّبى
يا طِِيْبَ شِعْر العاشق (الجلواحي)
(مع تحيات أخيك أحمد الصالح 7-7-1425هـ) وفي عام 1419هـ.. تشرفت بزيارة الأستاذ (مسافر) في منزله الكريم بالرياض بحضور أستاذنا الأديب حمد القاضي، فهمس في أذني قائلا: (أعرفك أنك في الأساس شاعر.. وأخاف أن يأخذك النثر عن الشعر، وتنسى الكلمات العِذاب في استمرارك الكتابات النثرية المتعددة)، وفي الحقيقة.. فقد توجست خيفة في حينها من هذا الأمر، ودق صاحب ديوان (عندما يسقط العَرّاف) ناقوسا قويا لأمر مستتر وضامر في (العقل الباطن).. كما يقولون كاد أن يغيب عني تماما، وأعتقد أن صدى هذا التنبيه الطيب جاء بقصيدة (سماحا أيها الشعر) التي نشرتها هنا في عدد سابق.
وهنا قد ندخل في إشكالية قائمة.. جديدة - قديمة وهي المزاولة بين الشعر والنثر. وأحسب أنني لست الوحيد الذي أخذه النثر إلى الشعر فهناك العدد الكثير والكبير من القامات السامقات في الشعر المحلي والعربي قديما وحديثا فعل النثر بها ما فعل.. ولست أدافع عن الناثر في داخلي، فالشعر هو الأساس كما قال أستاذنا (مسافر) وسيبقى كذلك، وهناك أمر آخر.
هو سهولة الكتابة النثرية - فيما أزعم - إبداعا وزمنا، أمام صعوبة ونحت القصيدة إبداعا وزمنا، وهنا أتذكر قول الشاعر العربي الكبير الفرزدق (همام بن غالب) (وهو مَنْ هو) في الشعر: لَخَلْع ضرس أهون عليّ من خروج بيت واحد من الشعر)!!، وبالمقابل هناك سهولة قراءة النثر، وصعوبة قراءة واستيعاب الشعر بوجه عام..!!
وإذا استسهل الإنسان شيئا أحبه ومنحه أجمل العبارات ووفر له كل الإمكانات.والغريب أنك تجد أسماء كثيرة التصقت في وجدان المواطن العربي بشعرها الرائع، لكنها انحرفت إلى تيار الرواية.. فأصبحنا نقرأ روايات وقصص وأعمال نثرية لشعراء.. صحيح أن النتاج الإبداعي العام.. الحرفي منه، واللوني، والوتَري، والمسرحي وغيره كُلّ لا يتجزأ أو أنه يكمل بعضه بعضا، لكن لا شك أنه يبقى لكل لون من هاته الألوان.. لونه، وخصوصيته. و من هنا يأتي توجس الشاعر أحمد الصالح من طغيان النثر على الشعر.. معي ومع غيري، وهو توجس في محله..
أحمد الصالح، و الأحساء..:
أول زيارة زارها الشاعر أحمد الصالح للأحساء كانت قبل 35 عاما، وبالتحديد في 1400 هجرية، 1980 م، حينما أقام أمسيةً شعرية بجمعية الثقافة والفنون بالأحساء.. وظفرت منه بقصيدة كتبها في 26 - صفر - 1400 هـ حيّا بها الأحساء والحضور في تلك الأمسية، ورصدها في ديوانه (قصائد في زمن السفر)، وسماها (الحسا) هذا نصها :
العفُو سيدةَ المدائنْ
عفواً , فنبعُ الشعرِ آسِن
ما كان حبّكِ بدعةً
فهواكِ في الأعماقِ كامن
لا الشعر يُعْلي قَدْمَهُ
الحُبُّ قبلَ الشعر.. كائن
عفواً إذا سكت القصيد
فقد ت حدثت الكبائن
فإذا (الحسا) أنشودةٌ
غنى بها.. أهلٌ وظاعن
عفواً فديتُ نخيلها
وفديت خيرة المُواطن
إن القصيدَ جميعهُ
لغرورِ فاتنة المدائن
ولقد ظفرت الأحساءُ ثانية باستضافة الشاعرِ (مسافر) حينما استجاب لدعوة نادي الأحساء الأدبي لإقامة أمسية شعرية لتكونَ مسكَ ختام الأنشطة الثقافية المُصاحبة للملتقى الثاني لرؤساء الأندية الأدبية بالمملكة الذي استضافة النادي في الفترة الواقعة بين 5-6 -صفر-1434، الموافق 18-19-12-2012 م
أما القصيدة التي لا أبرح أتغنى بها إعجابا وفكرة ودهشة،والتي يسرح شاعرنا طويلا كلما رددتها أمامه حين ألقاه فهي قصيدته (سؤال)، من ديوانه: (انتفضي أيتها المليحة):
تتساءلين..
متى الإيابُ من السفر
ومتى يطيب لِمَنْ تُغَرِّبُهُ الحروفُ
المستقر..
يا أنتِ.. بعض هواي أتْعَبَهُ السفر
و أَمَضّهُ كيدُ الرموش
وما يجيء به الحَوَرْ...
تتساءلين َ، وأنت ِ أدْرى بالخَبَرْ..