Saturday 01/03/2014 Issue 430 السبت 29 ,ربيع الثاني 1435 العدد
01/03/2014

ناظم مزهر في روايته «بسمائيل»:

حكاية «بسمائيل» خيال يهرب من واقع أليم

يستحث الروائي العراقي ناظم مزهر في روايته «بسمائيل» ذاكرة القارئ العربي من أجل بناء قاعدة سردية جمالية ينطلق منها إلى صياغة مفهوم فني متقن للرواية الحديثة، إذ يرى أن وعي القارئ هو الرهان الباقي على النص في زمن التحولات والتبدلات.

فالروائي مزهر يستميل في روايته هذا المضمون المتحول، والمنطق المراوغ حينما يسوق ومن خلال الصفحات الأولى هواجس الإنسان العربي البسيط، حينما تسيطر عليه حالة العزلة في زمن بات من المفروض أن يتقدم نحو الأمام، على نحو شخصية «يوسف» التي لم تجد لها سوى الماضي قرب مناطق الآثار دورا وحياة تعيش تفاصيلها.

العلاقة بالماضي السحيق والقريب مادة دسمة، ومضمون عميق يهيل الشك على أي حكاية متواترة عن حرب طاحنة بين المشاعر الإنسانية وما حولها من تجاذبات تدخل فيها الأسطورة كجزء متمم لتفاصيل هذا المضمون الأليم لرجل يستشعر في هذا الزمن أن الحياة لا بد لها أن تعود من جديد، حتى وإن كانت من قبيل الومضة الخاطفة، لتذكرنا على نحو ما بأن الماضي السحيق ما هو إلى صدع نفسي نسير فيه أو من خلاله إلى نهايات مفتوحة وتفاصيل لا تنتهي.

فحينما ينهل الراوي من معين حكاية الماضي المتمثلة في بقايا حضارة بابل العراقية يدرك أن المكان بات عنصرا مهما وضخماً تدور عليه مفصلات الأحداث، ليأتي الزمن شاهدا قويا يعاضد هذا الحيز المتشظي في مدينة لا تزال تجتر الماضي وتعيش أدق تفاصيله، بل إن هذه التفاصيل لا بد لها أن ترسم شخصيات وأمثولات ليست كما حجارة بابل، بل هي دمى إنسانية متحركة تعيش التفاصيل الأليمة للعبة الزمن الليلي المظلم والغامض.. ذلك الذي يدر مزيداً من الخيال، ليصنع لنا الروائي «مزهر» تفاصيل حياة شائكة وأليمة يعيشها الإنسان ممثلا بيوسف العربي.. العراقي.. البابلي.

عنصر السرد في هذه الرواية - كما أسلفنا - يميل إلى صالح حيزي الزمان والمكان فيما اللغة السردية تتناهبها فرضيات الحكاية الدقيقة وتفاصيل اليومي، فالظلام الذي ينسج فيه الراوي حكايته الأثيرة عن «يوسف» ومن حوله يسيطر على المشهد حتى تخرج لنا كآبة مفترضة أو كأنها شعور مؤثر أعِدَّ بعناية ليكون مشهدا سرديا مألوفاً يتكئ عليه الكاتب كجزء من تأزيم المشهد، رغبة منه في إخراج هذه الحكاية من حيزها المألوف والعادي إلى تفاصيل أكثر غموضاً وسحراً لا سيما، حينما تكون محاور المكان محاذية لتفاصيل مدينة ضاربة في عمق التاريخ كبابل وحياتها الأثيرة والغامضة والأسرة.

بيئة هذا النص الروائي يغلب عليها الطابع الريفي الذي يمتد كشاهد على ما وقع فيه الإنسان البسيط والمغمور في تفاصيل شقائه بين مدينة بغداد وحضارة بابل كتفاصيل أليمة تتجاذب هذه العلاقة غير المتوازنة بين إنسان يطلب الخلاص من منغصاته، وحياة بليدة وأليمة تسيطر عليه، حتى وأن حولته إلى كائن مسخ، لا يعرف من أمر حياته شيئاً.

فكرة النص جاءت في هذه الرواية بهاجس نقدي صرف، يكشف حجم مأساة الإنسان هذه الأيام، ليخترع الكاتب شخصية «بسمائيل» الخيالية حيث يقابلها في هذه المواجهة «يوسف» وواقعيته، لتكون فرصة مناسبة للراوي أن يأخذ زمام المبادرة ليكاشف يوسف وأهله ومن حوله هذه المآزق والتخبطات والعبث والمجانية التي لا برء منها على الإطلاق.

فشخصية «بسمائيل» الخيالية في هذا العمل فرصة يراها الكاتب ثمينة للإسقاط على عالم واقعي مترنح ومتشظي ومنقسم على ذاته وعلى من حوله، فهو يرى أن لا برء محتمل من أسقامه في هذا الزمن الراهن، فما «بسمائيل» ومن معه من مخلوقات غريبة استزرعها الكاتب إلى مزيد من جلد الذات وكشف المخبوء لمآلات حياتنا في هذا الزمن الذي اهترأ لكثرة ما عبث الإنسان بالأرض فلم تعد حياتنا صالحة لأي شيء.

بل إن الراوي على لسان «بسمائيل» أغرق كثيرا في كشف تفصيل معانات طبقة المسحوقين والمعدمين وما آلت إليه من فراغ قد يدمر ما تبقى من يقين تحفظه الأنفس، فلم تعد الأرض هنا ـ بحسب الراوي ـ مكان صالحا لحياتنا ووجودنا المعتل والمضطرب.

فالرواية تسير على هذا المناول وتختم تفاصيلها بأن الراوي «سامي» عاش تفاصيل كل ما مر بـ»يوسف» حينما حملته حكاية بسمائيل الخيالية إلى أماكن عالية هربا من واقع إنساني أليم يعيشه الإنسان في مدن تفقد هويتها وكيانها يوما بعد آخر.

** ** **

إشارة:

بسمائيل (رواية)

ناظم مزهر

دار الينابيع - استوكهولم - السويد (ط1)2010م

تقع هذه الرواية في نحو (170صفحة) من القطع المتوسط