كيف نضجت الظروف للصحوة
التحولات الثقافية الكبرى لا تحدث بفعل فاعل بشري - مهما كان الادعاء أو كانت الأمنيات - لكنها تجد نفسها تحدث لأن الظرف الثقافي وصل إلى حد الاستواء لإنضاج الطبخة على نار هادئة أولاً، وبتدرج يكاد يكون صامتاً أو خفياً حتى يبلغ درجة يتحول معها إلى انفجار سيبدو أنه هائل ومفاجئ وغريب، وربما يعجز الكثيرون عن فهمه، ويلجؤون إلى تأويلات غير علمية ولا منهجية وقد يعطونه معنى قدسياً، بينما الخصم سيميل إلى نظرية المؤامرة (التخطيط الرسمي من أجهزة الدولة، وقد قال هذه وتلك كثيرون). وهذه تأويلات ملحوظة مع كل التحولات النوعية والكبيرة، ونحن لو نظرنا للصحوة بوصفها (جملة في صفحة) ولاحظنا أن الصفحة ليست بيضاء ولكنها مكتنزة بالجمل السابقة واللاحقة لرأينا أن الصحوة هي جملة ثقافية في سياق ثقافي، وهي حين تشكلت راحت تصنع رموزها، ومن أبرزها أنها في السعودية تحديداً وجدت رمزين جاهزين هما الشيخان ابن باز وابن عثيمين، واتخذتهما علامتين روحيتين لها، وقام الشيخان فعلا بدور رمزي كبير وفعَّال مع تيار الصحوة بالتعاطف معها والدفاع عنها والتوسط لها لدى مؤسسات الدولة مما شفع للصحوة أن تسير بطريق آمن من ناحية رسمية وتحركت حشودها دون إشارات حمراء، ولكي تتضح أهمية هذا العنصر لنفترض أن المشايخ المعتبرين مؤسساتياً وقفوا ضد الصحوة فماذا سيكون الطريق أمامها....!!، لقد سبقتهم جماعة التبليغ وصار ما صار لها؛ لأن المؤسسة الدينية ارتابت منها فأغلقت الدروب أمامها، وكان هذا نفسه سيحدث للصحوة لو خامرتها الشكوك من كبار المشايخ، وهنا تنجح الصحوة باستحواذها على تعاطف قوي عبد لها كل الطرق، وهنا تتغلب الجملة الثقافية على سائر الجمل في النص وتبدو وكأنها حدث إلهامي أو تآمري موجه رسمياً (حسب ميول المؤول للحدث)، والأمر هو سياق ثقافي كانت الصحوة فيه جملة في صفحة محتشدة، ولكن جملة الصحوة قفزت لتكون عنوانا للصفحة كلها، ثم عادت لتصبح جملة بين جمل وسنقف على سياق الحدث وتحولاته.