Saturday 01/02/2014 Issue 426 السبت 1 ,ربيع الآخر 1435 العدد
01/02/2014

الورد جميل

للورد مكان ومكانة في الأغنيات العربية أيام كان العرب رومانسيين في العاطفة والعشق وقبل أن تدخلهم تكنولوجيا العصر ؛حيث لم يأخذوا منها سوى جانبها التدميري.

كان العرب يحلمون في همسة على شط النيل «أمتى الزمان يسمح يا جميل، وليه يا بنفسج، ويا ورد مين يشتريك وللحبيب يهديك»

هجمت علينا فجأة صراخات الفراغ ونقر الدفوف وأغنية الكليب، ودخنا من الأصوات النشاز وعدد المطربين وقبلهم المطربات. ودخنا من قنوات التلفاز وتكرار المشاهد والمتشابهات.

وتلعب البلدان العربية وحكوماتها ويلعب أثرياؤها بعواطف الناس وراحة بالهم، ويلعبون بتكوين الأسرة ومستقبل الأولاد عبر كم من الأغاني وألبومات الأغاني ومسابقات الأصوات، ويبدو لي وأنا أتحدث كأني من سالف العصر والأوان.

ولكن ألست أنا على حق لو شاهدتم مؤتمرات القمة والمؤتمرات السياسية في وطني العراق مثلا وطاولات الرؤساء والمدعوين أمامهم مزابل ملونة من الورود الاصطناعية. أليس ذلك إعلاناً عن الكذب والزيف ومقدمة لا تقبل التأويل عن عدم صدق المشاعر وكذب البرامج السياسية.

لم يقتصر ذلك الورد الصناعي على المؤتمرات السياسية ولقاءات القمة، بل وصل إلى اللقاءات الثقافية ومهرجانات الأدب والفن والسينما حيث في كل مرة تتصدر منصة المسرح باقات من الورد المصنوع التي حين جلست خلفها أو وضعت أمامي وددت لو صرخت قائلا لا أستطيع الكلام، أبعدوا هذا الزيف عن المنصات الثقافية.

أنا أعيش في هولندا فاعذروني أني أتحدث عن وطني الثاني الذي آواني من ضيم، فبدلا من أن أتمتع بأغنية الورد الجميل وأنا أحيا في هولندا بلد الورد المدهش إذ تقام معارض الورود التي تؤمها الوفود من كل أنحاء العالم والتي لمؤسسات الورد أساطيل جوية تتحرك كل صباح نحو بلدان العالم تصدر الورد وحيث تبلغ واردات الورد للاقتصاد الهولندي أكثر من واردات النفط للقطر العراقي، صارت مشاهد الورود الإصطناعية تتصدر المؤتمرات على شاشات التلفاز العراقي. الفرق بين الواقعين أن المنصات الثقافية والسياسية والاجتماعية في هولندا وعلى شاشاتها مزدانة بالورد الحقيقي المبلل بندى الأرض وندى السماء والمتزاوج بين الورد الوحشي والورد المزروع حيث الانسجام في الطبيعة ما بين الغابة والمدينة، وحيث لم ينسجم بعد الإنسان مع الغابة انسجمت ورود الغابات بورود المزارع ونما الحب في مساحات المزارع، وبدلا من أن يشتروا بسعر النفط وردا لمؤتمراتهم صاروا ينتجون النفط من الورد. وحين سيطر الورد على هولندا ازدهرت عواطف الناس بالمحبة وتراجعت الجريمة حقاً وتقلصت مشاريع بناء السجون وتأسست المشروعات الثقافية وصارت شركات الورد تدعم الإنتاج الثقافي المكتوب والمرئي والمسموع.

أكيد وبالتأكيد لا أحد يفكر في العراق أو في وطن شبيه، من الأوطان التي دخلت في ربيعها الدامس بشراء باقة ورد يحملها حنون لزيارة مريض في مستشفى أو يحملها صديق لصديق يقرر بناء أسرة أو تقدمها أنثى جميلة لسينمائي أبدع في ازدهار شاشة السينما. كيف يمكن لواحد من هؤلاء أن يحمل شدة ورد في صباح منعش بالهواء النظيف إذا كانت أخبار الصباح في تلفاز المدينة ملونة بدم الأبرياء وصورة الشاشة مقرفة بالمياه التي تغسل أسفلت الشارع من الدم البريء وصراخ سيارات الإسعاف تكلل نشرة الأخبار بالرعب والمصور التلفزيوني مبهور أنه إلتقط مشهدا حيا أثناء التفجير فتناقلته وكالات الأنباء.

إذا شاءت البلدان أن تغير مسارها نحن الأحسن ونحو الحياة السليمة ونحو العيش الرغيد فعليها أن تفكر منذ البداية بتغيير شدات الورد من الورق المصنوع الزائف وتضع بدلا منه باقات الورد الحقيقية النابتة في تراب الأرض وسمادها كي تخرج لونا وعطرا ساحرين .. حينها تتغير الحياة وتهدأ أجهزة التلفاز من الصراخ ويعلن المذيع قائلا صباح الورد مشاهدي الكرام.

الورد جميل ..

سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا - هولندا k.h.sununu@gmail.com