في المعاجم اللغوية تلك التي ضربت تترا في سبل (الأمصار) خلال القرون يستفيد منها العلماء والباحثون والمحققون ويطالعها أولئك المهتمون على معاني الألفاظ لإدراك حقائق المعاني لفهم نسق المعنى بتمام مراده كما هو مرصوف.
في تلك المعاجم اللغوية تدرك التخصص الجيد البارع في تفسير معاني المفردات مع ما يتسم به العلماء المؤلفون لها من باع كبير في الشريعة والأدب (شعراً، ونثراً، ونقولات جيدة، من فتاوى وآراء جياد.
وإنك.. وأيم الحق.. لتستغرق مفكراً ومتفكراً بهذا التخصص الجليل عند القوم وسعة مدارك عقولهم نحو: العلم بالآثار والمواقع، فعندما عقد البخاري (معاجمه الثلاثة) أو: (تواريخه الثلاثة) في (الرجال) وبعض الآثار، وفيما صنف ابن منظور (اللسان) والجوهري (الصحاح) والذهبي (الكاشف) و (ابن الملقن) شرح الصحيح ونقل عنه ابن حجر ما نقله في معجمه: (الفتح) وكذا ما جاء في (معجم البلدان) و(الطبقات الكبرى) و (معجم ما استعجم) وما جاء في: معاجم التراجم من خلال تراجم علماء: النحو.. واللغة.. والحديث.. والفقه.. إلخ..
عندما فعل كبار العلماء هذا إنما انطلقوا من (موهبة التخصص) ذلك التخصص الذي عرفوا به على مدار العهود، وهذا لم يجعلهم مقصرين في علوم شتى لكن قد عرفوا بما عرفوا به من تلك (الموهبة) الضاربة في أطناب الجد وتمام المعرفة.
ولما كان يحزنني ويحزن غيري من الذين اطلعوا على: حقائق الموهبة، وضرورة الاتجاه نحو: التخصص والالتزام به لبذل المزيد صوب التجديد في باب ما أو مسألة ما لما كان هذا يقلقني؛ لأن الكتابة المتنوعة شتات للوقت وضرب في صحراء قد تكون سبل لا رعي فيها، ولا ماء ولا أنيس، لما كان الأمر كذلك كان هذا سبباً قوياً.. جزماً.. في كثرة ما يلي:
(أ) كثرة الاختلافات بين الكتاب.
(ب) العجلة في الرد مما يولد سوء الفهم.
(ج) كثرة ما أراه من الانتصار للنفس.
(د) عدم استيفاء الموضوع حقه.
(هـ) كثرة تكرار الكتابة في موضوع واحد مع اختلاف الطرح.
(و) التهم التي تحصل بين كاتب وكاتب.
(ز) الميل للتهكم على أنها (كتابة ساخرة)، هذا ما تولده الكتابة المتنوعة فتجد: الكاتب أو المثقف أو الأديب لا يتردد في الكتابة عن:
1 - النقد العلمي أو الاجتماعي.
2 - النقد الشرعي.
3 - النقد الأدبي.
4 - النقد الدعوي.
5 - المداخلات والتحليل السياسي.
وهذا ما جعل كثيراً من (وسائل الإعلام) تستضيف وتستكتب كل أحد عن بعض الأشياء أو كل الأشياء.
من هذا، يضيع التجديد وتتضاءل الموهبة ثم لم تلبث أن تغيب إن لم تهرب، وبوسع عالم جاد دقيق ومثقف مثله أو كاتب تام التجرد أو أديب شديد التوقي عن العجلة وسوء الفهم بوسع كل واحد من هؤلاء أن يقرأ فقط ثلاثة كتب لابن قتيبة أو لإبن حجر أو لمصطفى بن صادق الرافعي من المتأخرين، ثم يقرأ ثلاث نسخ مما كتبه بعض المعاصرين، ثم هو فيصل بنفسه ليحكم بالحق وبه يعدل ألا نجد فارقاً بيناً في الشارد والوارد؟
أليس هذا من دلائل الخلط وتلهف الكتابة؟
ثم إذا أنت.. هاهنا.. تنحو باللائمة على فقدان: التميز والإضافة ونبش عمق العلم الذي فقد الآن وإنما اليوم: تكرار، واستطراد، وإنشاء، ونقولات: أليس هذا هو الحاصل..؟
أليس الحال شاهدة..؟
من هذا الباب وما أحرص عليه نحو: تعقيد وتأصيل الطرح الجاد المركز الحري بدوامه.
فإنني أهيب بمعالي الشيخ عبدالله المنيع، وله كتابات جادة في مجال الاقتصاد المعاصر أن يبحث عبر سلسلة متكاملة أسس وأدلة وتعليل أنواع المعاملات الاقتصادية، وأن يحاول الجهد كله بحث السياسة المصرفية بواسع من القول المطرد الطويل وأن يغلب جانب الحيطة والحذر في هذا، لا سيما ومعالي الشيخ الأخ (المنيع) له سعة بال جيدة في هذا ولا إخاله إلا من الفاعلين ذلك حتى يكون ما يكتبه يعاد إليه في جانب سياسة المال بخاصة.
) وكذا هي دعوة لمعالي الأخ عبدالله التركي، وهو رجل له حضوره وتأسيساته في زيارة بلدان إسلامية شتى ولقاءات كثيرة مع رؤساء وعلماء وباحثين لا سيما ورسالة عن الدكتوراه عن: اختلاف مناهج العلماء.
وهذا يعطيه دون ريب سبق جودة فاعلية التخصص الدقيق في بحث أصول وقواعد ومتانة الطرح ومعالجة حقيقة الترجمة وتأصيل نظر البحث العلمي الهادي المتين.
ولو أنه يبدأ بكتابة تجاربه من خلال إدارة الجامعة.. والرابطة ببحوث متناهية الفصول عبر سلسلة علمية مركزة شاملة فغالب ظني أن هذا يعطي صورة عالية القيمة في سبيل تخصص متين يفيد الآخرين الذين ما برحوا يرون أن هذا يحسن أن يكون، لا سيما والحال داعية إلى مثله على غرار من ألف من العلماء الذين أفادوا العالمين (والمنيع.. والتركي) لهما حضور وقراءة ناهيك أنهما يحرصان على الخير ولا أزكيهما على الله تعالى، لكن ربي نعم المولى وهو المعين.
والذين سوف يطالعون ما سوف يكتبه (هذان الخبيران) عما أشرت إليه سوف يدركون معنى المراد من الجهود العالية الدقيقة في سبيل هو من أهم سبل البحث في هذا الحين.
وإنها لدعوة كذلك لكافة ذوي التخصص الدقيق في مجاله، لعل العجلة تعود صعداً فنقرأ عودة التاريخ بعيداً عن شتات الكتابات من: هنا.. وهناك.