في الماضي تمنيت وما زلت أتمنى تعلّم لغات أكثر عدا العربية والإنجليزية، أتذكر أنني اقتنيت يوماً أكثر من كتيب لتعلم الفرنسية والألمانية والإيطالية حالما تخرجت من الثانوية العامة. تعلّم اللغات يعتبر جانباً هاماً لإثراء المعرفة والثقافة لدى الإنسان، لكن لأن العمر محدود وطاقة الإنسان لها حدود معينة لذا لا بد من تركيز الجهود والاتجاه إلى شيء محدد والإبداع فيه..
أحب اللغات بشكل عام وأجد في أعماقي فضولاً دائماً لتعلم شيء منها، لأسباب كثيرة، فكما يقال إن اللغة الإنجليزية لغة عالمية (إنترناشونال) من خلال انتشارها في كافة بقاع العالم، أما اللغة الفرنسية فتبدو لطيفة خفيفة عند نطقها تتحول فيها الراء إلى غين وأحياناً خاء وربما يكون هذا سبباً لنعتها بلغة الحب والغزل، أحب اللغات عامة دون تحديد ربما لأنها وسيلة التواصل والتقارب بين الناس في منطقة ما وفي مناطق أخرى خارج الحدود إلا أن اللغة العربية هي عشقي الأول، أنحاز لها كثيراً بحكم جذوري العربية الإسلامية وبحكم النشأة وأولاً وليس آخراً إنها لغة القرآن الكريم، دستورنا المقدس.
بدأت علاقتي بوسائل التواصل الاجتماعي بشيء من التردد إضافة إلى بعض التوجس والتخوف من اضطراري إلى التحدث باللهجة العامية نظراً لما أراه حولي من المتحدثين بلهجات مختلفة إضافة إلى اللغة الإنجليزية أحياناً وفي هذا الخضم أبحث عن اللغة العربية الفصحى فلا أجدها إلا نادراً، ذلك الأمر كان باعثاً لقلقي مثل الكثير من الكتاب ومحبي اللغة العربية فضلاً عن العلماء المختصين بها..
أصبح عالمنا اليوم مفتوحاً على مصراعيه لجميع الثقافات الأخرى القادمة كان ذلك بداية عبر الإنترنت ثم اتسع الأمر كثيراً بظهور وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي (التويتر والفيس بوك)، تلك الوسائل الحديثة جعلت الكتابة، تلقائياً، ليست قصراً على الكتّاب والأدباء والعلماء والمثقفين وإنما انخرط الجميع في الكتابة حتى أولئك الذين لايقرأون ولايتقنون سوى التحاور مع الآخرين بلغتهم البسيطة التي قد تكون هي ذاتها المتداولة في الشارع..
هذه هي النقطة الهامة التي تدعونا إلى التفكير والتساؤل، هل لغتنا العربية في خطر؟ وهل هناك حماس لاستخدامها وحمايتها من قبل أبنائها الناطقين بها؟.. في هذا الإطار قرأت بحثاً رائعاً للأستاذ الدكتور عبدالعلي الودغيري من المغرب يطرح فيه تساؤلاً قائلاً: (إذا كانت اللغة أساس الهوية، فما مدى اعتزاز أهل العربية بلغتهم وتشبثهم بها وحرصهم على المحافظة عليها وتطويرها وتنميتها؟) وأيضاً يتساءل (ماهو دور العربية في اكتساب المعرفة وتوطينها؟ وما حصتها من الإنتاج العلمي والفكري ونشر الكتب والمؤلفات والدوريات العلمية؟ وما موقعها وأهميتها في البحث العلمي عامة؟ وما مكانتها في حقل الترجمة منها وإليها، والحال أن الترجمة من أهم معايير تقييم اللغات وقياس وزنها؟)
يحوي البحث كثيراً من التحليلات والتساؤلات، قرأته بكثير من الدهشة والمتعة وخرجت منه بفائدة هامة عظيمة، إذا أردنا المحافظة على لغتنا العربية وبقائها صامدة قوية أمام الثقافات والحضارات الأخرى فلا يكفي أن نسعى إلى تطوير التعليم والإعلام فيما يختص باللغة العربية بل لا بد من التوسع في تطوير وتنمية الجانب الاقتصادي ودعم البحوث العلمية وتشجيعها لاستعادة قوتنا ومكانتنا بين دول العالم وبالتالي حماية لغتنا، في اعتقادي إذا اجتهدنا في هذا المسار فسوف نصل إلى مشارف حياة أجمل، فهل يا ترى يكون ذلك؟ ومتى؟