الفنان يوسف أحمد: على الفنان أن يرفع اسم وطنه عالياً في المزادات العالمية
حينما تلتقي الفنان القطري يوسف أحمد، تكتشف أنك إمام إنسان تطبع وتعلم من فنه كيف يحترم الآخرين، حينما يتحدث تستمع له وتتمنى ألا يتوقف، لا يعطي لذاته قيمة وكأني به يقول (اللهم اجعلني صغيرا عند نفسي كبيرا عند الناس) يمتلك ابتسامة تلغي شعورك السابق بأنه على غير ما توقعته عودا إلى كل ما اختزلته عنه من معلومات استقيتها من قراءات في تاريخه ومسيرته التشكيلية التي تخطى بها الحدود حاملا معه الوطن بيئته لغة وتراباً.. فنان وضع بصمته عبر تجربة طويلة في مجال الحروفية لم يكن مقلدا أو ناسخا أو مكررا لتجارب غيره مع استثناء البدايات التي لا تخلو من تشابه.. رسم لإبداعه خط سير هادئ.. متقن.. غمس أداوته في أعماق تاريخ الحرف واستخرج منه معنى الجمال في شكل كل الحروف مهما اختلفت أو قل الجمال فيها، كاسرا نظرية أن الحرف دون جملة لا معنى له.. شكل بالحرف جسورا بصرية تأسر المشاهد وتنقله إلى آفاق بعيدة نحو بدايات تكوينه وكيف أصبح اليوم أهم مكونات الجملة والمعنى.
الفن .. الرسالة بالشكل والمضمون
اعتبر ما حققه أحد أعماله من سعر في إحدى دورات مزاد كريستي من بين أعمال لأشهر الفنانين العرب والعالميين، أنه تمثيل للفنانين القطريين وأن المشاركة في هذا النوع من المزادات العالمية، لها دور أساسي في تمثيل قطر ورفع اسمها عالياً، وتثبيت وجود الفن التشكيلي القطري في هذا النوع من المزادات العالمية. عبارة تستحق الوقوف عندها وفهم أبعادها الوطنية التي لم تغب عن ذاكرة الفنان يوسف أحمد ما يؤكد حسه العالي في تقديم الوطن عبر رسالته الفنية بمستوى يليق بهذا الوطن، دون بحث عن ذاته أو تبعية لفكر مخالف أو بعيد عن دوره كفنان يمتلك وسيلة تعبير مؤثرة. قدم عملا كما قال في أحد لقاءاته يبرز القيم الفنية للحرف العربي من خلال الفضاءات وسماكة الحرف، والمساحات التي تحيطه» نفذه بتقنياته الخاصة ابتداء من صناعة الخامة التي يبني عليها الشكل وصولا إلى إمضائه، صنع الورق يدويا، جعل منه طبقا قدم فيه الحرف العربي كشكل جمالي غير تقليدي. استخدم فيها عجينة الورق الخام بتقنية عالية من الدقة حملت في ألوانها وطريقتها دلالات على عظمة الخالق في أسمائه الحسنى، فهو الرحمن والرحيم والخالق العظيم الله لا إله إلا «هو»، قل «هو» الله أحد.
واعتبر الفنان يوسف أحمد في الشرح المفصل للوحته على موقعه الإلكتروني أن هذه اللوحة تعتبر نوعا من «الفن الصوفي، حيث أصبح الحرف كأداة تعبيرية عن جمالية التأمل وكإيضاح للعلاقة بين الذات (أي الفنان) والموضوع (أي العمل الفني)»، مشيراً إلى أن «اللون الخريفي الذي يشغل معظم مساحات اللوحة ما هو إلا تعبير عن مدلول إعادة الخلق والولادة والانبعاث من جديد، لأن الخريف في الأساطير القديمة هو موسم سبات البذور ورقادها في باطن الأرض لتنطلق وتنمو من جديد بعد فترة من الراحة والرقاد»، موضحاً وجود «هارموني متناغم بين المعنى الدلالي والبناء التشكيلي للّوحة»، مضيفاً: «في اللوحة الكثير من ضوء الشرق وحرارة الشرق والبصمة العربية الإسلامية، فاللون والخط في اللوحة يظهران نوعا من التجريد الفني الفريد كأنه الموسيقى يدخلنا إلى عوالم باطنية لا مرئية ضمن تكوين مفتوح بأفق لا ينتهي، فاللوحة عبارة عن تجربة ونهج فني جديد يثيران التأمل الباطني في عالم الأسرار، إضافة إلى أناقتها التي وصلت إلى مصاف التصوّف اللوني وانسيابيته داخل السطح التصويري، بحيث ينتاب مشاهدها إحساس مفعم بالموسيقى الناعمة التي تأخذنا إلى مناطق الحلم الجميل».
رسالة الفنان الوطنية إلى العالم
الفن رسالة هكذا يجب أن يوصف هذا الإبداع الإنساني عند ما يلامس أعين وعقول لآخرين، وتصبح الرسالة مسئولية كلما كان مضمونها مستلهماً من ثقافة وتراث وطن وبيئة الفنان، وتزداد المسئولية عندما يتنقل الفنان بتلك الرسالة إلى مواقع ومساحات من بين ثقافات مجتمعات أخرى قد تجهل ثقافته أو تعاديه.
الحرف وعبق تراب الأرض
لم يتنصل الفنان يوسف أحمد من بيئته بكل تفاصيلها فقد كان أمينا على كل لمسة يطبعها بإحساسه على خامة الورق أو أي خامة تقع تحت يده بقدر ما كان كل ما يتعلق بمحيطه القطري حاضرا ومساهما بنقل الرسالة بكل عناصرها الزمانية والمكانية مقدما للمتلقي وجبة بصرية مفعمة بالأصالة جمع فيها رائحة البحر ورطوبة طين الأرض وصفاء سماء وطنه.
لوحة الفنان يوسف أحمد المعنونة بـ«أرابيسك1» التي تخطى السعر المقدر لها وبيعت في مزاد سوذبيز لندن بسعر 36700 دولار أميركي.. لفتت أنظار الحضور من قيمين ونقاد ومقتني اللوحة التي قُدمت ضمن معرض لمنتخبات الفن العربي المعاصر الذي أقامته سوذبيز واستخدم فيها خامة سعف النخل بتقنية فنية متميزة بقياس 200X100 تمثل اللوحة باباً مقفلاً بسط فيها الخط العربي قدمها الفنان بمعالجة تجمع بين معاصرة الطرح وتراثية الخامة ترى بزاوية النحت وتتلقاها العين بحاسة التصوير. قبل أن نختم نتوقف عند معرض الفنان يوسف أحمد المعنون بـ «أحرف قمر الحب المكتمل» الذي يتخذنا فيه الفنان يوسف إلى أبعد من شكل القمر المنظور إلى المتخيل فهو يعني الكثير لأبناء المنطقة شعراء وأدباء وتشكيليين، يوصف به جمال الحبيبة ويؤنس المسافر ويأخذ بنا إلى خيالات وأحلام، خصوصا حينما نتوحد به في صحراء الخليج وننظر إليه بمشاعرنا، نستعيد به طفولتنا وشبابنا ونرسم بضوئه ملامح الأمل.
قدم الفنان يوسف أحمد المعرض بخامته المعهودة والمستلهمة والمأخوذة من البيئة سعف النخيل أخرج الأعمال بشكل القمر الدائري، وملأها بكلمات من أغاني أم كلثوم عودا إلى عشقه لأغانيها استخدم الخامات المحلية في لوحاته بنكهة عربية معاصرة”، بمزج عناصرها مجموعة بألوان بيئة قطر التي نبت على أرضها الحب وأضاء قمرها دروب العشق المباح.
الفنان القطري يوسف أحمد أقام أول معرض له على مدخل بيت عائلته عام 1963، وامتد إبداعه إلى أن حاز على الكثير من الجوائز العالمية والعربية، من بينها جائزة المنتدى الثقافي اللبناني في باريس، متمسك بهويته الفنية والثقافية العربية، يستمد ويستلهم لوحاته من بيئته القطرية خصوصاً والخليجية بشكل عام، هي التي أسهمت في تحقيقي كل هذا النجاح»، يعتبر الخط العربي ضمن سبل تأكيد هويته. أقام الكثير من المعارض في الكثير من دول العالم وشارك في معارض ثنائية وجماعية. يعد أحد أبرز رواد الفن في قطر والخليج والعالم العربي.
monif@msn.com