بين نخيل هجرٍ وعيونها عشق أبدي ومصاهرة نتاجها أرواح خضرة نضرة وجمال أخاذ خلّاب طالما تغنّى الشعراء والكتّاب بها حتى أصبحت الطبيعة قلباً نابضاً ولغة في جسد كل شاعرٍ أحسائي تجود قرائحهم بعذوبة الألفاظ ورقتها وصدق العاطفة وانعكاسها على شعره ووضوح معانيه، بعفوية ودون تكلف مقصود، تلك السعفات تميل مع الهوى حيث القلوب تهفو وتخضر كاخضرار الفؤاد حين يذوب صبابة، فتحمل الأعذاق ألحان العرصات الخضراء فتتراقص طرباً كلما غرّد القمري أو ناحت على الغصن حمامة فيجلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري، نحاول عبثاً أن نستدرك أخطاءنا ولكننا نمعن أكثر مما قبل فلم يجدِ نفعاً نصحاً أو توصية لرباط اجتماعي يعزز تآلف الأسرة الواحدة في المجتمع المحلي والإقليمي فيعطي كل ذي حق حقه ويدفع من يتفاءل بمستقبل باهر على السعي قدماً ليكون خير خلف لخير سلف فلا نشعر بفضل أو مكانة مبدع ضاع عمره فداء وفناء وحباً وإخلاصاً لأرضه وأهله مادام بين ظهرانينا حتى يكون تحت الجنادل والثرى وتظل الجفون تحوطه غفلةً وتغافلاً ومن ذا الذي يحفظ اليدا!، لم تكن عزلة الشاعر المبدع الأستاذ يوسف أبو سعد يرحمه الله سوى إحساس بغربة الروح وسط أجساد بينه وبينها صلة وقربى وصداقة، وروح غريبة بين أرواح أنكرتها وكأنها لا تعرفها أو تآلفت معها يوماً من الأيام، فقد نقّلَ فؤاده بين بساتين هجر وأهلها فنكرته بعد أن تغنّى بها وجحدت فضله بعد أن مدحها وأفنى عمره من أجلها!! وظل يغوص في لجج النسيان واسمه لا يبين في سجلات المبدعين لدى المتنفذين وما كانت الأحساء لتلفظ ابناءها المخلصين ولكنها سقطات الإهمال وأوجاع الغيرة! وهو بعد شاعر الأفلاك الأحسائي في زمن أبطأت هجر أن تلد مثله فكان وحيد وقته وزمنه، زفير الناي 1387هـ هو الديوان الأول منذ خمس وأربعين سنة والانطلاقة الأولى نحو آفاق الشعر فتعددت أغراضه بين الحب والطبيعة والوصف ولم ينس فلسطين ومحنة العرب فجادت نفسه كعربي أصيل كان عليه أن يشارك كشاعرٍ آلمه ماوصل إليه العرب من ضياع، ولعل الشكوى والقلق هما االعلامتان البارزتان في شعره فتجلت فيها العاطفة بقوة لما يشعر به من أسى لنكران الزمان والمكان والأصدقاء ومن حسبهم كذلك، فالقلق مما سيأتي والخوف منه بلغة المتشاءم والشكوى ممن حسبهم قد حفظوا حقه كما حفظ حقوقهم وما أقسى ظلم ذوي القربى:
وجرحين في قلبي عميقين أوغلا
كسهمين ناسا من فؤادي مقتلا
فجرح من الحرمان فجّره الأسى
وجرح من النكران قد بات مشعلا
وهبتُ صحابي من حياتي أريجـها
وأمحضتهم مني المحبة والولا
بسطتُ لهم كفّ الحنان لينزلوا
بأعماق قلبي في السويدا منزلا
فما حفظوا عهدي وصانوا محبتي
وما حقوا للنفس شيئاً موئلا
وعلى ذلك فهو رجل لا يظهر التأفف بقدر ما تعلو وجهه الابتسامة دائماً فلا يبدي حزنه وغضبه لأحد فكتم كل ذلك بين أضلاعه وحفظت نفسه ما آلمها من جرح الزمن فكانت العزلة التي ارتضاها لنفسه كعادة الكبار وقد شاركها المرض فكانا كسهمين، ومع كل ذلك أبى قلبه أن ينعزل طول الحياة فكانت له مشاركات عديدة كثيرة في المجالس الأدبية كأحدية الشيخ أحمد المبارك يرحمه الله،وفي الإذاعة السعودية عبر برامج عديدة، وهو عضو رابطة الأدب الإسلامي والنادي الأدبي بالمنطقة الشرقية، وكمكانة وقامة شعرية هناك ثلاث رسائل أكاديمية للماجستير عن الأستاذ يوسف يرحمه الله لندى بوسعد وفوزية الرويشد وصالح المحمود وبعض الدراسات الجادة لشعره أذكر منها لمحمد البشيّر نشرها النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية ودراسة في دواوينه الشعرية عن دار الكفاح للدكتور عبدالرزاق حسين.
كان رحيله خسارة للشعر السعودي والأحسائي خاصة ولعلّ النادي الأدبي بالأحساء يكون له الدور الريادي في تكريم الشاعر الذي ما فتئ يخلص لأرضه وأهله فيقوم بما عجز عنه الآخرون بتكريم يليق بشاعر وأستاذ كبير كان له امتداد الشعر الأحسائي من جيل إلى جيل وأحد أعمدة الشعر السعودي المعاصر تكريماً يرد شيئاً من حق الوفاء له وإن كان ميتاً.