بعد مواقف متعثرة كثيرة واجهته في الحياة، يصرخ بطل قصة «من مفكرة إنسان نزق» للكاتب الروسي العظيم «أنطوان تشيخوف»، يصرخ قائلا: لماذا تأتي الأفكار الجيدة متأخرة إلى هذه الدرجة؟ لماذا؟
يستحق هذا السؤال الهام في رأيي ان نسأل فيه أنفسنا كثيرا، بل ومرارا مهما تقدم بنا العمر ومهما تعثرت بنا الحياة وكثرت الأخطاء وتعددت المآسي أيضا.
ففي غمار بحثنا عن أيام أفضل كثيرا ما تحاصرنا الأفكار السيئة أو الأفكار غير المفيدة التي نكتشف متأخرين أو بسرعة إننا لا نحتاج إليها، ولا تقدم لنا شيئا على الإطلاق.
وأحيانا نقضى عمرنا كله نبحث عن تلك الأفكار الجميلة والطموحة والنادرة التي تعرفنا وتقدر إمكانياتنا وتجعلنا ننجح ونكتشف فيها مواهبنا بل وربما عبقريتنا، والتي تستحق من اجلها ان نبذل العرق الكثير.
عندما يكبر البشر يكتشف الكثيرون منهم أنهم أضاعوا عمرهم في عمل لا معنى له لمجرد انه يستطيع ان يأكل أولادهم لقمة عيش، وانه لولا عجلتهم وخوفهم لاستطاعوا الانتظار قليلا حين تأتيهم الأفكار الجيدة فيعملوا في أعمال مختلفة ومتميزة وتناسب طموحاتهم وآمالهم، وتطعمهم جيدا أيضا. وفي مراجعة النفس مع السؤال الهام يتذكر بشر ان لولا تأخر الأفكار الجيدة لربما تغير مجرى حياتهم واختاروا شركاء حياة أفضل وأجمل وارقي، لكنهم اختاروا العجلة والطمأنينة المؤقتة.
حتى الأفكار نفسها التي اختارها بعض البشر ودفعوا شبابهم وعمرهم الجميل من اجلها في السجون والمنافي وغيرها، هي نفسها يمكن مراجعتها وانتظار أفكار أخرى أكثر جمالا وأهمية. ومع ان أكثر الأفكار تجئ خلاصة تجارب متراكمة وأحيانا بعد معارك مستمرة وأخطاء لا تغتفر، إلا ان ذلك لا يعنى ان كلها متأخرة أو تأتي بعد فوات الأوان.
لكن هل تستحق الأفكار الجيدة التي صرخ من اجلها بطل قصة «تشيخوف « الانتظار؟
أستطيع ان أقول وبكل ثقة إنها تستحق الانتظار، فأن تأتي أفضل من ان لا تأتي على الإطلاق!