الهمزة والهاء صوتان حنجريّان. تخرج الهمزة بعد انحباس الهواء في الحنجرة فانفجاره، فهي صوت شديد يخالف بهذا الهاء التي تخرج بحفيف الهواء في مضيق الحلق فويق الحنجرة؛ ولكنهما لتقاربهما ربما وقعا في السمع موقعًا متقاربًا، وهذا ما يفسر ورود ألفاظ بهما والمعنى واحد، مثل (ألا/ هلا) و(أيا/ هيا) و(أيهات/هيهات).
وعقد ابن جني في كتابه (الخصائص) بابًا لتصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني، جاء فيه قوله «من ذلك قول الله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم-83] أي تزعجهم وتقلقهم. فهذا في معنى تهزهم هزًّا، والهمزة أخت الهاء؛ فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين. وكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء، وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهزّ؛ لأنك قد تهزّ ما لا بال له؛ كالجذع وساق الشجرة ونحو ذلك»، وهذا ما هديت إلى فعله مريم ابنة عمران، قال تعالى {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم-25]، وقال ابن فارس في معجم (مقاييس اللغة) عن (هز)»الهاء والزاء: أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ في شيء وحركة. وهَزَزْت القناةَ فاهتزَّتْ. واهتَزَّ النَّباتُ، وهزَّتْه الرِّيح. وهزَّ الحادي الإبلَ بحُدائِهِ، واهتزَّتْ هي في سيرها. وهَزيزُ الرِّيح: حرَكتُها وصوتُها». وأما عن (أز) فقال: «والهمزة والزاء يدلّ على التحرّك والتحريك والإزعاج. قال الخليل: الأزُّ: حمل الإنسانِ الإنسانَ على الأمرِ برفقٍ واحتيال. الشيطان يؤزّ الإنسانَ على المعصية أزًّا»، وقال الزمخشري في الكشاف(3: 42) مفسرًا الآية «الأز، والهزّ، والاستفزاز: أخوات، ومعناها التهييج وشدة الإزعاج، أى: تغريهم على المعاصي وتهيجهم لها بالوساوس والتسويلات. والمعنى: خلينا بينهم وبينهم».
وفي لهجات نجد يستعمل الفعل (أزّ) بإبدال همزته واوًا، يقولون: وزّه الشيطان، أي أغراه بالشيء، ووزه صاحبه أي دفعه إلى الأمر وأغراه به. قال فلاح المرقي:
واللي نسى دينه ترا النار تنصاه
لا وزه الشيطان يتبع بلاويـه
وقال صقر الصقر:
وكم شجيع وزه الشيطان وزي
لين منهم شاف دمه والصوابي
الفعل (هزّ) إذن في الأصل للتحريك الحسيّ، الذي منه هزيز الريح أي صوتها مندفعة، وهو اندفاع شبه به امرؤ القيس اندفاع فرسه في قوله:
إِذا مَا جَرَى شَأْوَيْنِ وابْتَلَّ عِطْفُه
تقولُ: هَزِيزُ الريحِ مَرَّتْ بأَثْأَبِ
وقد يكون مجازيًّا، فتهز الأقوال والأفعال مشاعر الإنسان، قال معروف الرصافي:
يهز نياط القلب بالحزن صوتها
إذا اهتزَّ في جوف الظلام المخيِّم
وأما الفعل (أزّ) فهو تحريك للعاطفة ليكون من صاحبها الانفعال والسلوك، فهو تحريك معنويّ في الغالب، وإن كان في أصله تحريك حسّي كالهزّ، ولذلك شبه البكاء المعبر عن قوة العاطفة والانفعال بصوت المرجل، جاء في الحديث «دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، وَبِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ» (صحيح ابن حبان،2: 439).
** ** **
(*) مهداة إلى الأستاذين أبي محمد عبدالرحمن الخميس وأبي حازم إبراهيم الجريان.
- الرياض