المعرفة الفقهية باعتبارها جهدا بشريا هي ذات طابع نسبي وقابلة لإثبات العكس حتى وإن قطع الفقيه بنتائج بحثه فإن تلك النتائج هي في النهاية إماتمثل رأيه الشخصي على أقل تقديرأوأنها تعبرعن توجه ما لأحدالمدارس الفقهية وآلية فهمها لهذا النص أو ذاك وفي معظم الأحوال يظل لأرباب التخصص صلاحية مناقشتها في ضوء الأصول المقررة وذلك بحسبان الاجتهاد في مسألة ما ليس قطعيا ونقد الفقيه والاستدراك عليه – والمراد النقد المدلل بطبيعة الحال - هو ما يحيي حركة الاجتهاد ويبث الحيوية في أوصالها فيزدهر التنوع وتتمحص الحقيقة ويزاح الستار عن مواطن الخطأ والصواب.
سيادة القول الواحد وشيوع الأحادية الفقهية قد يشكل عنصرا نفسيا ضاغطا يكبح انطلاقة الفقيه المستقل والمسكون بالروح البحثية فلا يجرؤ على البوح بما توصل إليه من قناعات مبرهنة فضلا عن إعلانها وإشهارها لا لشيء إلا لذيوع خيار فقهي آخر يراد تصديره وأطر الآخرين عليه وإكراههم على تبنيه وقسرهم – ولو بطريق غير مباشر - على تمثله وإجهاض ما عداه والتعاطي معه كخط أحمر يتعذر تجاوزه بحال وقديما رفض الإمام مالك رحمه الله تلك الفكرة التي تقدم بها أبو جعفر المنصور حينما أراد حمل الناس على كتاب (الموطأ) فلم تلاقِ تلك الفكرة ترحيبا لدى الإمام ولم يحتف بتجسيدها بل عبروا من خلال موقف تاريخي عن رفضه لهاتيك الفكرة وعلى نحو يؤسس لتكريس سلوك التثاقف البيني وتكثيف دوائر المتنوع المتكئ على البرهنة والاحتجاج الممنهج.
إن تكريس الأحادية وتجذير مبلوراتها هو ما يوهن الشخصية الثقافية للفقيه ويحد من استقلاليته ويجعله مغرما بالمحاكاة أسيراللتقليد لا يتطلع إلى الإبداع ولا يتوق إلى التجديد, وإنما يكرر المكرر ويعيد إنتاج السائد بالبصمات ذاتها ولو وقف على فكرة جديرة بالطرح لما تنطوي عليه من محددات موضوعية ترشحها للاصطفاء لم يحفل بها باعتبارها قابعة خارج دائرة المألوف ولذلك فهو لا يبوح بها وإن أفصح ذات إقدام ما فمن خلف الكواليس!.
- بريدة Abdalla_2015@hotmail.com