يبدو أن نصوصنا المسرحية العائمة في فضاءات المشهد الثقافي دون مكان يلم شتاتها أو تعرض فيه، ستنهك وهي تبحث عن خشبة خلاص، حالمة أن يطلع فجرها ويأتي اليوم الذي تتوافر فيه مسارح عامة تلتقي من خلالها بجمهور توصل له من خلالها رسائلها!
إذ تستدعي طبيعة بنية الكتابة المسرحية، القائمة على الحوار، أن يكون تلقيها مشاهدة أكثر متعة من قراءتها، وذلك عائد لكون قراءة النصوص المسرحية لا يواكبها ما يواكب المسرحية المجسدة على خشبة المسرح من مؤثرات صوتية وبصرية، تسهم في بلورة فكرتها وإيصالها بشكل أسرع للمتلقي، فما بالك والعديد من نصوصنا المسرحية المحلية تتوسل الرمزية في خطاباتها وتوصيل العديد من رسائلها، ما يضاعف جهد استيعاب مدلولاتها عبر القراءة بالنسبة للقارئ النوعي، وتعذر ذلك على القارئ العادي.
عندما تتصفح نصوص مؤلفات مسرحية مثل: «داعية السلام ومسرحيات أخرى» للدكتورة ملحة عبدالله، و»لعبة كراسي ومسرحيات أخرى» للكاتب فهد ردة الحارثي، و»صفعة في المرآة ومسرحيات أخرى» للكاتب عبدالعزيز الصقعبي يلفتك أنها جميعا من إصدارات وزارة الثقافة والإعلام، وتتساءل عندئذ: إذا كان لدينا نصوص مسرحية جيدة تقدم الوزارة على طباعتها اعترافا بقيمتها الإبداعية والمعرفية، وأخرى تقوم الأندية الأدبية بطباعتها مثل: مسرحية «موت المغني فرج» من إصدارات نادي أدبي الشرقية، وثالثة يقدم كاتبها بنفسه على طباعتها مثل نصوص «المزبلة الفاضلة» لعباس الحايك وغيرها، فلماذا يحرم المتلقون البعيدون عن أجواء التلقي الثقافي عبر القراءة من مشاهدتها مجسدة على خشبة مسرح؟
يبدو من المحير أن تولي الوزارة بعض الاهتمام بطباعة نصوص مسرحية في حين يتم إغفال تأسيس بنية مسرحية قوية يتم من خلالها تنفيذ هذه النصوص وغيرها في مسارح تقام خصيصا لذلك بدلا من الشتات الذي تعاني منه النصوص الذي يحرم الكثير منها من أن تنال حظها في التنفيذ والظهور محليا.
سنويا يطالعنا خبر فوز نصوص إبداعية مسرحية مكتوبة للكبار والصغار، في مسابقة المسرح التي تنظمها وزارة الثقافة والإعلام، وبعض المسابقات التي تنظمها فروع جمعيات الثقافة والفنون مثل مسابقة» النصوص المسرحية للعروض القصيرة» التي ينظمها فرع جمعية الثقافة والفنون في الدمام كل عام، ليطل السؤال برأسه من جديد: متى سنرى هذه النصوص المسرحية يوما وقد تم تجسيدها على خشبة مسرح يفيد منه جميع شرائح المجتمع وفئاته العمرية؟
لأن غياب المسرح عن واقعنا الحياتي للأسف جعل الكثير مما يعرض من مسرحيات لدينا يتمرجح بين قطبين متناقضين، إما الغرق في الرمزية كالكثير من مسرحيات فروع جمعية الثقافة والفنون، أو الغرق في الإسفاف وعدم احترام عقلية المتلقي كعدد من المسرحيات النسائية ومسرحيات مواسم الأعياد التجارية التي تفتقر لاشتراطات الجودة والفنية وهدفها الرئيس كما يبدو التسلية وتزجية الوقت.
تجربتنا في المسرح ليست جديدة، إنما تعود لعقود طويلة، غير أنها تجربة لم يتوافر لها ما يكفي من عناصر النضج والنمو الصحية، وأبسطها توافر قاعات ومسارح مخصصة للعرض، نحن بحاجة ماسة لمسرح يحترم وعي وعقلية المتلقي ويتقاطع مع هموم المواطن ويعالج قضاياه، ويغدو منبرا أيضا لإشاعة روح الثقافة والمعرفة، كما نحتاج لتفعيل دور جمعية المسرحيين السعوديين، وعقد ورش مسرحية، واستحداث تخصص لدراسة هذا الفن في الجامعات، أو تأسيس معاهد وأكاديميات مختصة بذلك.
صحيح أن من الجيد إقامة المسابقات والمهرجانات المسرحية التي تنشط حركة المسرح بخاصة المسرح الشبابي وتحفز على المزيد من الإبداع المسرحي، وأن نمد المكتبة العربية بالمزيد من النصوص المسرحية الجيدة، غير أن جميع ذلك غير كاف لبث الوعي وربط الناس بهذا الفن المعرفي العميق، ما لم يترافق مع تأسيس بنية مسرحية قوية تدعم حركة المسرح وتوجهه في مساره الصحيح ليقوم بدوره الحقيقي في كشف وملامسة هموم وتطلعات المواطنين، بحيث لا يبقى خطابه موجها للنخب الثقافية فقط، وإنما يقوم بدوره في تجذير الوعي الإيجابي في المجتمع. ما يتيح للمسرح لعب أدوار أكثر فاعلية وتأثيرا في عقول المتلقين، وهذا قد يسهم تدريجيا في العمل على تخفيف الكثير من النصوص المسرحية من حمولتها الرمزية، والرقي في ذات الوقت بالنصوص المسرحية غير الجيدة، لأن ذائقة المتلقي الواعي من أبناء المجتمع لن تقبل حينئذ سوى بالجيد من المسرحيات.