ما فتئ الأستاذ الدكتور عبدالله الصالح العثيمين – شفاه الله – ينبهنا ويوقظنا من سباتنا في كل مناسبة ضمور للأمة العربية، التي بدأ الاستعمار الغربي في النيل من وجودها، وشرذمة كياناتها، وتفتيت جغرافيتها، وتمزيق ترابطها إلى أشلاء متفرقة خائرة القوى منذ أمد بعيد، وبخطط مرسومة.
ومع بداية الحرب العالمية الأولى، ومطلع القرن الماضي بدأت الدعوة للقومية العربية وتوحيد كياناتها المتفرقة تعلو؛ مما جعل الدولة العثمانية – وهي تعمل على تتريك العرب – إلى قمع مثل هذه البادرة، وقيام والي الشام جمال باشا السفاح باعتقال وإعدام رموزها في ساحة المرجة بدمشق، مما ألهب هذا الأمر المشاعر وزادت النقمة على الولايات التركية. فبدأ الاستعمار الغربي يتأهب للانقضاض على العرب كفريسة جاهزة ليحل محل (الرجل المريض) وكان أن بدأ العدو الاستعماري في اقتسام الأرض العربية فيما بينهم. وزرع دويلة بني صيمون لتكون هي الفزاعة أو مخلب القط لتبقى وصمة عار في جبين الأمة العربية.
ومع تململ الشعوب العربية وتوالي نكباتها في كل مكان نتيجة هزيمة الفلسطينيين ومعهم الجيوش العربية، واعتراف هيئة الأمم المتحدة والدول الكبرى بدويلة إسرائيل على أرض فلسطين بدأت الانقلابات العسكرية على الحكومات المتهمة بالتخاذل والتهاون وممالأة المستعمر مما حمل الشعب العربي بالمغرب والمشرق إلى حمل السلاح للتحرر من الاستعمار.
وبدأ لهيب المعارك يصل إلى كل بقعة من أرض العروبة فنشأ جيل يردِّد الألحان ويشدو بالقصائد المحفزة للمجاهدين والمناضلين في أرض فلسطين والجزائر وغيرهما من البقاع العربية الثائرة على الاستعمار.
ومن هذا الجبل أو هؤلاء الشباب الطالب بمعهد عنيزة العلمي عبدالله الصالح العثيمين، الذي نشر في جريدة البلاد السعودية في العدد 2180 في 11-11-1375هـ الموافق 5-6-1956م وفي زاوية (دنيا الطلبة – روضة الشعر) قصيدة (في محيط العروبة) قال فيها:
كيف صغت القريض من كل لحن
رائع الفن في انقياد وسلس
كيف صغت القريض حلواً شذيًا
وابتكرت اللذيذ من كل جرس
لم تكن تحسن التكلم شعراً
جيد السبك نشوة المتحمس
لم تكن ترسل اللحون طروبا
وادع النفس في ابتهاج وأنس
كنت تلقيه من ضميرك ناراً
تصطلي من أوارها كل نفس
لم يكن غير صورة لكئيب
قد رمته الهموم في عقر حبس
لم يكن غير أنه من كليهم
موجع القلب في شقاء وتعس
لم يكن غير زفرة من سقيم
مدنف يرقب الحياة بيأس
إلى أن قال:
إن صهيون يا بني العرب أضحت
ترقب العيش والحياة بيأس
كم عرتها وساوس حين تضحي
واعترتها مخاوف حين تمسي
فمضت تنذر العروبة لما
رأت الموت حولها قاب قوس
قال (ابن جورين) اللعين:
سأقضي في ليالي الربيع عيدي وعرسي
سأشن الهجوم مراً عنيفًا
يجعل العرب تحت أنقاض رمس
إيه صهيون فاهجمي أي وقت
في لظى الصيف في نحاسة قوس
لن ترى من بني العروبة إلا
من سيلقي عليك أصعب درس
سوف نسقيك عابسات المنايا
مترعات الكؤوس في يوم نحس
إنما أمة الجزائر رمز
لبنى العرب صادق غير حدس
حملت مشعل الجهاد وألقت
في بنى السين كل ذعر وتعس
إلى أن قال:
لن تكف الشعار والحرب إلا
حين تخلو البلاد من كل رجس
وما زال أبو صالح - متعه الله بالصحة والعافية - رغم مشاغله العلمية والعملية يتحفنا في كل مناسبة ضمور تمر بها الأمة العربية أو تهديد ينال من شرعية وجودها إلا ويكتب المقالات والقصائد وينبه ويصرخ ويقرع الجرس لإيقاظ من انشغل في حياته دون مصيره ومآله، وما سيحصل له بعد الانقضاض على جاره وأخيه وكأنه يقول:
إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
لا ننسى للدكتور عبدالله العثيمين مشاركاته الوجدانية في كل المناسبات المؤلمة من حروب وهزائم أو اجتياح العدو لأي بقعة من أرضنا والتي يتنبأ لها بما آلت إليه فلسطين.. أو سيقضي على الأمة العربية بأسرها كما آلت إليه أمة (الهنود الحمر) في أمريكا.
ونذكر له من الشجاعة ما يفاخر به من تمسكه بعروبته والذود عنها بل والانتقاد والهجوم على المتخاذلين والسلبيين الذين لا يهمهم إلا أنفسهم وما يملكون.
تحية تقدير ومحبة لأستاذنا الفاضل عبدالله الصالح العثيمين والذي يمر بأزمة صحية الزمته الفراش بعض الوقت – شفاه الله -.. ولا شكَّ أنه بمشيئة الله سيتعافى وينتفض كطائر الفينيق ليواصل حضوره وجهاده ولو بالقلم.