وصف شعري ومجازي بارع لـ«حبات السكر»
يستشرف الأديب والكاتب حسين أبو السباع في ديوانه «حبات سكر مرة» حالة الولع الإنساني حينما يكتب لنا من وحي معاناة أليمة واقع الحياة في زمن الغربة التي يعيشها الإنسان المعاصر، حتى إن تفاصيل الحياة اليومية تصبح عاصفة ومتحولة وتستدعي تسجيلها والعناية بها لتكون ذخيرة لمن أراد أن يستكشف خبايا الذات.
«أبو السباع» لا يترك أي شاردة أو واردة في التفاصيل اليومية إلا ويذكرها، بل يضيف عليها بعدا تأثيريا لتأخذ الحكاية شكل الممكن، وتنهل مفردة الشعر في كل قصيدة من هجس الكلمات المعبأة بحكمة الأسئلة العميقة عن مآل الأحلام إلى سراب أو عدم:
«وميض برق أضاء الحياة
لحظة.. واختفى!!
ليلة من ليالي شهريار
سيف مسرور به الموت
المعلق على رقاب الأسئلة..»
لا بد للغربة أن تطل في تفاصيل القصائد في هذا الديوان الذي برع فيه الكاتب حينما صاغ من وجه الغربة لغة خالصة تصلح لهذا الزمان وأهله.. لغة لا يقوى عليها إلا المتعبون من سهر البحر والحياة المكابدة، حينما ترفرف كلمات القصائد كطيور صغيرة فاتنة ترفع مشقة اليأس وتثير في الذات فأل الآتي.
في العالم الراهن الكثير من تفاصيل الزيف وقلب الحقائق، والتجني على الآخر، والوصاية على من حولنا من جوعى ومطحونين ومعدمين بذرائع كثيرة وواهية، حتى تكاثرت في القصائد حالات شؤم ممكن من مآلات الحياة في زمن العودة إلى الخلف، أو الهروب إلى الداخل، أو الرحيل نحو المنافي بعد أن أصبح الوطن تغطيه الكلمات ومجرد الوعود حتى بات الشعر عاجزا عن زحزحة هذا اليأس المطبق، ليلتقط الشاعر مشاهد الحياة في عالمنا:
«أيها العالم..ترفق بالجوعى
والمقتولين عمدا
أمام عدساتك الملونة
المذبوحين بدم بارد
الأعوام تمر
عداد القتلى لا يتوقف عن النزف
هل أحد يجيب.. أم أن الكل
يبيت خارج الكون هذا المساء؟!»
فقصيدة «الكون المثقوب» (الديوان ص33) ترسم ملامح الواقع الذي يعيشه الإنسان ولا يقوى على مبارحته أو الخروج من قسوته وألمه حتى أصبحت القصائد التالية لهذه القصيدة أشد وطأة في الحزن، بل إنها حالة رصد واقعية لمآل الحياة العصرية في زمن اللا حب.. فالقاموس الشعري يكتنز بالكثير من المفردات التي تفر إلى أبعد مكان من اليأس رغم محاولات الشاعر أن يوائم بين واقع أليم وفأل يسعى بدأب كليل.
تميل القصائد في الديوان إلى التوسط والقصر إذ تأتي على هيئة رسائل وجدانية مقتضبة يريد منها الكاتب أن تكون أكثر تركيزا وتحفظ للذائقة هويتها، حيث يسير الديوان في تفاصيله نحو استظهار مكنون الذاكرة من المواقف التي تتجلى أمام القارئ ولا تجد بدا من أن تتأملها وتبحث عن فال أو حب أو دفء أو أصدقاء غابوا في زمن راحل.
الذكريات وعاطفة الزمن الجميل وبراءات البدايات هي من تظهر في ثنايا هذه النصوص لتأخذنا ـ قدر المستطاع ـ عن أماكن التوتر والحياة التعسة في زمن اللهاث والتعب. لغة النصوص هادئة ـ كما أسلفنا ـ وتكوينها مغموس في نهر الحكايات البسيطة..
تلك التي سعى فيها «أبو السباع» إلى أن يمد جسور التواصل مع المنجز الإنساني، لتكون الرسالة الإنسانية هي الشاهد الحقيقي على بحثنا الدائم عن ذواتنا في زمن التيه العصري. بيئة النصوص تتأسس على مضامين حياة المدن، وهامش وجداني واسع من حياة الأطراف، وكفاح الناس للبحث عن الذات واللقمة حتى إن كل مشهد في هذا العمل لا يفارق بيئة حياة المدن والمنافي العصرية:
«الوقت ما عاد يعينني
في غيابك.
فروحك على الجانب
الآخر من الحياة
عقلك مرتحل مع الغيوم الشاردة..»
فكل فكرة في النص منبعها حالة الألم التي يعيشها الإنسان، ويسعى الكاتب إلى تدوينها بأسلوب شيق يحدد موطن الألم وتشير الكلمات الأنيقة إلى أن هناك معضلة إنسانية ما نحياها.. فمتى الخلاص من هذه المنغصات الكثيرة في زمن التردي والخذلان.
** ** **
إشارة:
* حبات سكر مرة (شعر)
* حسين أبو السباع
* دار أوراق ـ القاهرة 2013م
* يقع الديوان في نحو (128صفحة) من القطع المتوسط
* لوحة الغلاف للفنان عبدالرحمن حافظ