Saturday 28/12/2013 Issue 423 السبت 25 ,صفر 1435 العدد
28/12/2013

الوقت بين الضائقة والتبذير

مما لا شك فيه أن كثيراً منا قد عرف أناساً من فئتين مختلفتين، إحداهما تشعر بضائقة الوقت وندرة وحداته، التي يتحينها أفراد هذه الفئة لإنجاز ما لديهم من أعمال، والتفرغ لبعض الالتزامات الاجتماعية، أو حتى الراحة الشخصية، وأداء ما يلزم من ضروريات الجسد والراحة النفسية. أما الأخرى فإنها تشعر بسعة عظيمة في الوقت، بل إن بعض أفرادها يتأففون من عدم القدرة على تمضية الوقت، وكونه ضيفاً ثقيلاً، وربما استعانوا ببعض معارفهم للمساعدة على تزجية بعض منه؛ فأغلب عباراتهم التي يرددونها في التعامل مع ما ينوون فعله أننا نمضي الوقت، أو نقطع أوقاتنا، وغير ذلك من عبارات تدل على عدم الود بينهم وبين ذلك الضيف، الذي لا يكاد يرحل عنهم، أو يحسون بثقل وطأته؛ ذلك لأنهم لا ينجزون شيئاً، وكل ما يفعلونه أثناء ممارساتهم العرضية هي مراقبة سير وحدات الزمن. فهل الوقت - ذلك الكائن المجرد - أنيس لأناس، وصديق لهم؛ يبحثون عنه بكل ما أوتوا من قوة وحسن ترشيد، وعدو لآخرين؛ يسعون بكل وسيلة لقتله والقضاء عليه، قبل أن يقضي عليهم من الإحساس بالملل والتعب الشديد من وجوده؟ الإجابة عن هذا السؤال المركب ليست سهلة؛ لأن الأمر لا يتعلق بالوقت موضوعياً، بل بدواخل كل فئة منهما. فالأولى جماعة منجزة وإيجابية في استغلال فرص الوجود الفاعل بأن تستثمر كل فرصة في إنجاز ما ينوي المرء عمله مما هو مطلوب منه، أو يسعده الانتهاء منه؛ ولذلك هي تضع في حسبانها إنجاز عدد أكبر مما يمكنها فعله في الأوقات المتاحة للعمل. إذاً، المشكلة في السماح بتراكم جدول الأعمال، وليس في نقص الأوقات اللازمة. أما الثانية فلا يوجد لديها غالباً جدول أعمال أصلاً، بل تترك الأشياء تفرض نفسها، فينجز أفرادها - إن أنجزوا - ما يستطيعون عمله دون مسابقة للزمن، ودون إحساس بسرعة جريانه. فمشكلة هذه المجموعة أنها بلا خطة عمل، وتسيّرها ساعات الزمن حيث أرادت، بل يدفعها الروتين اليومي دفعاً مع الأشياء المحيطة بهم. فهم ليست عندهم زيادة في رصيد الزمن، بل عدم ربطه بأعمال محددة يقومون بها هو أكثر ما يؤرقهم. قال كثير من الفلاسفة عن أهمية الوقت أشياء كثيرة، وقال منظرو التنمية البشرية في العصر الحديث عن أهمية استغلال الوقت أشياء أخرى؛ كونه مرتبطاً بقيمة؛ حتى إنه أصبح في أعراف بعض المدارس يساوي المال. لكني أشعر بالاضطراب إذا راقبت نوعين من البشر، يتطرف كل منهما في التعامل مع وحدات الوقت امتاحة. فنوع يسرف في الركض خلف كل شاردة وواردة مما حوله من فرص العمل أو الكسب، دون توزيع تلك الجهود على أوقات محددة، حيث لا ترهقه، وتأخذ وقتها الطبيعي اللازم لإنجازها. ونوع آخر ليست عنده مبالاة بقيمة ما ينجز، ولا حتى بقيمة إنجاز الآخرين؛ وبالتالي لا يقدّر الناس حسب درجة عملهم للصالح العام، وإنجازهم لمجتمعهم أو للبشرية، بل يقدّرهم وفقاً لدرجة خدمتهم له، أو تنازلهم عن وقتهم لمصلحته. فهل أصبح الإنتاج هو الغاية من توظيف الوقت لدى النوع الأول، أو المتطرفين منهم في فهم تلك الفلسفة؟ وهل البلادة وعدم المبالاة في استغلال شيء من الوقت لدى متطرفي النوع الثاني محققة لأسباب وجودهم في الحياة؟ في الواقع لا بد من السعي إلى شيء من السعادة في خضم أحداث الحياة، بل اقتطاع جزء من الوقت لتحقيق ذلك الغرض. ولا بد كذلك من شعور الإنسان بأنه ليس عبئاً على الآخرين، أو أن وجوده مثل عدمه!

- الرياض