Culture Magazine Thursday  28/02/2013 G Issue 398
ذاكرة
الخميس 18 ,ربيع الثاني 1434   العدد  398
 
ذكريات مع صاحب الأمل والألم.. الشيخ أحمد بن علي المبارك رحمه الله
د. عبدالله الحيدري

 

بدأت صلتي بأسرة آل مبارك الأحسائية في عام 1406هـ، وهي السنة التي شهدت تخرجي في جامعة الملك سعود حاملاً شهادة البكالوريوس في علوم اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب بالجامعة.

في هذه السنة وفي الفصل الأخير لدراستي تتلمذت في مقرر الأدب السعودي على يدي أستاذي الدكتور عبد الله بن علي المبارك، ثم انقطعت الصلة به مع شديد الأسف؛ لتقاعده وبعده عن المشهد الثقافي، وبدأت علاقتي بأخيه الشيخ أحمد بن علي المبارك - رحمه الله - دون أن أعرف الصلة التي تربط بينهما!

على أن صلتي بالشيخ أحمد لم تكن بعد تخرجي والتحاقي بإذاعة الرياض مذيعاً ومعداً للبرامج في أواخر عام 1406هـ، وإنما بدأت صدفة في حدود عام 1412هـ عقب حضوري لأحدية ابن عمه الدكتور راشد المبارك إذ شارك الشيخ أحمد بمداخلة شدتني جداً، ولفت انتباهي تواضعه وسمته وعلمه، ورأيت أن مثل هذه الشخصية لا بد من التعرُّف عليها عن قرب للاستفادة منها في برامجي الثقافية، وفي ملحق « إبداع « الذي كنت أشرف عليه في جريدة المسائية. وبالفعل تقدمت إليه وعرّفته بنفسي، وطلبت رقمه للتواصل معه إذاعياً وصحفياً، فرحب بذلك، وطلب أن يكون اللقاء في منزله في سكن وزارة الخارجية بالرياض.

ومضيت إلى الشيخ أحمد المبارك - رحمه الله - في الموعد المضروب حاملاً أدواتي الإذاعية والصحفية، ومن بينها (كاميرا) التقطت بها صوراً له ما أزال أحتفظ بها.

وقد ظفرت من الشيخ بلقاءات إذاعية، وحوار لجريدة المسائية نشرته في العدد رقم 3188 المؤرّخ في 21-1-1413هـ (21-6-1992م)، وبدأت الصلة تقوى مع الشيخ في وقت أُحيل فيه إلى التقاعد، وغادر مدينة الرياض إلى معشوقته الأحساء، وبدأ يستأنف أحديته الثقافية في منزله وسط حفاوة أدباء الأحساء وفرحتهم بوجوده. وفي تلك الفترة كنت قد تعرفت على بعض الأحسائيين، ومنهم محمود بن سعود الحليـبي زميلي في السنة التمهيدية للماجستير، وأخوه خالد، ويظهر أن الأخوين الكريمين هما من رشحاني للمشاركة في الأحدية بمحاضرة عن السيرة الذاتية عام 1418هـ.

كانت تلك الدعوة مفاجأة سارة لي عززت الثقة بنفسي، مع رغبة في داخلي للتعريف بهذا الجنس الأدبي المهمل في أدبنا السعودي. ذهبت إلى الأحساء بالقطار، واستقبلني في المحطة بعض الإخوة الأعزاء، ومضينا إلى منزل الشيخ، وهناك وقبل أن تبدأ المحاضرة ذهبنا للسلام على عميد أسرة آل مبارك، ثم ذهبنا إلى منزل الشيخ أحمد المبارك - رحمه الله - استعداداً للمحاضرة، وهناك قال لي: ـ أخ عبد الله أعددنا لك سكناً هنا في المنزل ترتاح فيه عقب المحاضرة.. تعال ألق نظرة عليه فإن أعجبك فالحمد الله، وإن لم يعجبك سيذهب بك أحد الأبناء إلى أي فندق تختاره.. تلك كانت معاملة الشيخ أحمد بقامته الشامخة علماً ووجاهة وسناً مع الآخرين.

لقد أخجلني الشيخ بتواضعه وكرمه ولطفه، وقلت: سأرتاح هنا في غرفة الضيافة شاكراً لك كرمك ونبلك؛ ولعل وجودي هنا في منزلك يتيح لي الفرصة للحديث معك بعد أن ينفض سامر رواد الأحدية، وهو ما كان إذ تجاذبنا أطراف الحديث إلى قرب منتصف الليل عن الأدب والأدباء وذكرياته التي لا تمل سماعها منه يمتحها من ذاكرة ثرية لا تنفد.

والشيخ في حديثه مع من هم في سن أحفاده حديث لا تشعر معه إطلاقاً بفارق بينك وبينه، إلى درجة تجعلك أحياناً في مقام من يؤخذ رأيه في أمر، وهو ما حصل معي بالفعل، فلقد قال: بما أنك من الدارسين لفن السيرة الذاتية فلعلك تجد الوقت لإلقاء النظر على سيرة ذاتية كتبتها ولم أتشجع بعد لإخراجها.. فقلت بخجل شديد: كما تشاء أيها الشيخ، وهذه ثقة أعتز بها جداً وأرجو أن أكون عند حسن الظن.

بعد هذه المحاضرة التي حظيت بمداخلات عديدة ونقاشات مستفيضة أنست إلى المجتمع الأحسائي كثيراً، وأعجبت بحبهم للأدب ورغبتهم في الحوار المفيد، وبدأت صلتي بهم تقوى، وتعرّفت على مجموعة أخرى (إضافة إلى الحليبيين)، في مقدمتهم (مع حفظ الألقاب): يوسف أبو سعد - رحمه الله -، ومحمد الهرفي، ونبيل المحيش، ومبارك بوبشيت، ومحمد النعيم، وسعد الناجم، وسمير الضامر، وعبد الله العويّد، وخالد الجريّان، ومحمد بوديّ، ومحمد الجلواح، وناصر الجاسم، وغيرهم، وازدادت زياراتي للأحساء لحضور العديد من المناسبات، ومنها: تكريم بوبشيت بالطرف، وحضور ملتقى جواثا، والمشاركة في ندوة تعريفية بقاموس الأدب والأدباء، وأصبحت زيارة الأحساء مرتبطة في الذهن دائماً بالسلام على الشيخ أحمد المبارك - رحمه الله -، وآخر زيارة له كانت بصحبة الدكتور محمد الربيِّع والدكتور خالد الجريّان في المحرم من عام 1430هـ. وفي هذه الزيارة أكرمني الدكتور الجريّان بالحصول على مؤلفات الشيخ، وفي مقدمتها سيرته الذاتية «رحلة الأمل والألم».

وفي الزيارة الأخيرة هذه لم يعرفني الشيخ، في حين كان قبل ذلك يقوم بالتعريف بي مستذكراً محاضرتي في الأحدية، وحصل ذلك أكثر من مرة، والتي لا يمكن أن أنساها أيام قدم الرياض لتكريمه في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) فقد طفق يعرف بي وأنا واقف معه في فندق قصر الرياض؛ مما يدل على حفاوته الكبيرة وتقديره لكل من أحبه وقدره ولبى دعوته للمشاركة في أحديته الثقافية.

انتقل الشيخ أحمد المبارك إلى جوار ربه في شهر جمادى الأولى من عام 1431هـ (أبريل2010م) رحمه الله رحمة واسعة.

رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض - aaah1426@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة