نواصل نشر بعض المقاطع المختارة من الفصل الثالث من كتابي المترجم الذي صدر مؤخرا بنفس عنوان هذا الفصل: «قصص لا تنتجها هوليوود مطلقاً» (منتدى المعارف، بيروت، 192 صفحة)، وهو كتاب يتكون من سبعة فصول ومن تأليف المؤرخ الأمريكي هوارد زِنْ. وهذا الفصل في الأساس هو نسخة منقحة من خطبة ألقاها زن في مهرجان تاوس للفيلم، تاوس، ولاية نيومكسيكو، في 17 نيسان/ أبريل 1999.
قصص لا ترويها هوليوود مطلقاً
وأعتقد أنه على شخص ما أن ينتج فيلماً عن الحرب المكسيكية. أنا لم أشاهد أي شيء عنها يوضح كيف بدأت تلك الحرب أو كيف خدع الرئيس الأمريكي الشعب الأمريكي؟ أعرف أنه من العجيب أن تسمعوا أن الرئيس الأمريكي يخدع عمداً شعب الولايات المتحدة، ولكن تلك كانت هي الحقيقة حيث قال فيها الرئيس جيمس بولك للشعب الأمريكي إن الجيش المكسيكي أطلق النار علينا داخل التراب الأمريكي. ولكن في الحقيقة لم يكن ذلك على التراب الأمريكي بل كان على أرض متنازع عليها من قبل المكسيك وأمريكا. وخلال تلك الحادثة قتل بعض الناس، ومن ثم... «بوووم» أصبحنا في حرب، أقصد في حرب خطط لها سلفاً من قبل إدارة بولك، لأنهم كانوا يرغبون في ضم تلك القطعة الجميلة من الأرض في الجنوب الغربي.
أعتقد أنه من الجميل والمفيد أن نروي تلك القصة مجدداً من وجهة نظر جندي عادي في الحرب المكسيكية حيث يرى القتلى والمشوهين والدماء، بينما يشق الجيش الأمريكي طريقه نحو المكسيك مدمراً ما يجد في طريقه مدينة إثر مدينة. مثل هذه القصة سوف تشرح وتصف كيف يزيد سخط هؤلاء الجنود من الحرب تدريجياً، وأنه بينما يقومون بالزحف النهائي نحو العاصمة مكسيكو سيتي بقيادة الجنرال سكوت، يستيقظ هذا الجنرال في الصباح ليجد أن نصف جنوده قد فروا من الجيش. سيكون من المثير والرائع أن نروي هذه القصة من طرف أحد متطوعي ولاية ماساتشوسيتس الذي يعود في نهاية الحرب ويحصل على دعوة للاحتفال بالنصر في تلك الحرب التي احتلت فيها الولايات المتحدة نصف المكسيك. وفي الوقت الذي يتم فيه تكريم قائد متطوعي ماساتشوسيتس على المسرح، يحاول أن يتكلم وهو على المنصة ولكنه يُستقبل باستهجان وازدراء من النصف الباقي من بقية متطوعي ماساتشوسيتس الذين ما يزالون أحياء، والذين يفكرون في ما حدث لرفاقهم في تلك الحرب والذين ينظرون حولهم ثم يتساءلون: لماذا كانوا يقاتلون في تلك الحرب؟ ينبغي أن أقول لكم.. لقد حدث هذا بالفعل.
تلك القصة تشمل أيضا مشهداً يزحف فيه الجيش الأمريكي ليسيطر على مقاطعة سلبت من المكسيك. القوات الزاحفة تتوجه نحو شمال المكسيك أي ما نسميه الآن بـ «ولاية نيومكسيكو». إنهم يدخلون سانتافيه، حيث ينبغي عليهم أن يفضوا تمرداً لأنه في الغالب المكسيكيون هم من يعيش هناك وحكومة الولايات المتحدة تسيطر على تلك المنطقة. الجيش يزحف خلال شوارع سانتافيه بعد النصر العسكري. جميع سكان سانتافيه، يدخلون بيوتهم ويقفلون أبوابهم ونوافذهم ولذلك يواجه الجيش مقاومة صامتة وهي تعبير عما يشعر به السكان عن هذا النصر الأمريكي العظيم!
هناك شيء صغير يتعلق بالحرب المكسيكية قد يجعل من الفيلم أكثر إثارة، وهو قصة بعض الفارين من الجيش. الكثير من الناس الذين تطوعوا في الحرب المكسيكية فعلوا ذلك للسبب نفسه الذي من أجله يتطوع الناس الفقراء وأعضاء الطبقة العاملة للجيش اليوم. إن السبب ليس لأنهم مقتنعون بفكرة الحرب، بل لأنهم يائسون وفقراء فحسب، ويتمنون أن يحصلوا على بعض المال إذا انضموا للجيش. خلال الحرب المكسيكية كان بعض هؤلاء المتطوعين من المهاجرين الجدد وأكثرهم من أيرلندا. العديد من هؤلاء الجنود الأيرلنديين عندما شاهدوا ما وقع على سكان المكسيك فروا وانضموا إلى الجانب المكسيكي. أنا لا أعرف بالضبط عددهم ولكن هذا حدث بالفعل وربما يعرف سكان نيومكسيكو الكثير عن هذا الأمر. لقد شكلوا كتيبة خاصة بهم وقاتلوا مع المكسيكيين وأطلق عليهم كتيبة سانت باتريك (التي أصبحت في ما بعد سانت باتريسيو) وكان هذا حدثاً مدهشاً في الحرب المكسيكية.
لقد تذكرت هذا الحدث عندما كنت أفكر في الحرب في الفيليبين، مباشرة بعد الحرب الأمريكية-الإسبانية. ليس من السهل أن نجعل الحرب الأمريكية-الإسبانية حدثاً نبيلاً، على الرغم من أن هوليوود بالفعل تستطيع أن تفعل أي شيء، ولكن لا أعتقد أنها حصلت على اهتمام في فيلم.
في الكتب الجامعية والفصول الدراسية للتاريخ، يطلق على الحرب الأمريكية-الإسبانية «الحرب الصغيرة الرائعة». لقد استمرت 3 شهور وكانت انتصاراً سريعاً على الإسبانيين. لقد قمنا بها لتحرير الكوبيين لأننا دائماً نخوض الحروب لتحرير أناس آخرين. لقد طردنا الإسبانيين من كوبا ولكننا لم نخرج من كوبا. ومن الناحية العملية الولايات المتحدة سيطرت على كوبا من تلك النقطة فصاعداً. أحد الأشياء التي نأخذها ضد فيديل كاسترو، أنه أنهى سيطرة الولايات المتحدة الطويلة على كوبا. وعلى الرغم من أن الثورة الكوبية معقدة، إلا أنني أعتقد أنه من العدل أن نقول إنها إحدى المآخذ التي تأخذها الولايات المتحدة ضد كاسترو. أنا لا أصدق أن مأخذ الولايات المتحدة ضد كاسترو هو أنه ببساطة ديكتاتور لأننا كنا دائماً نؤيد المستبدين، أليس كذلك؟!
الحرب الأمريكية-الإسبانية تحصل على بعض الانتباه بسبب بطولة الرئيس ثيودور روزفلت، وسلاح الفرسان.. الخ. أتذكر أنني قرأت شيئاً عنها في المدرسة ولكنهم لم يخبرونا بأي شيء عن الحرب في الفليبين. لقد تعلمنا شيئاً هو أنه نتيجة تلك الحرب استعمرنا الفليبين لكنني لم أعرف التفاصيل مطلقاً.
عندما نقرأ ونتعمق في الحرب الأمريكية-الإسبانية، نعلم أنها استمرت لثلاثة شهور ولكن حرب الفليبين استمرت لسنوات وسنوات وكانت وحشية وكانت عبارة عن قمع دموي لحركة الاستقلال الفليبيني. وبطرق عديدة، إذا تأملت في الفظائع التي ارتكبها الجيش الأمريكي في الجزر الفليبينية يمكن القول إنها كانت بمثابة تمهيد لحرب فيتنام. الآن وكما سمعتم، فإن هذه القصة لا يتم الحديث عنها مطلقاً ربما لأنه لا يمكن نسبها إلى البطولة العسكرية أو إلى مجد الولايات المتحدة. لقد كان هناك جنود أمريكيون سود في حرب الفليبين ولكنهم بسرعة اندمجوا مع الفليبينيين أكثر من رفاقهم الأمريكان البيض. لقد كانوا واعين لحقيقة أنه بينما ينبغي عليهم قمع الفليبينيين، إلا أنهم كانوا يعلمون من الرسائل التي تصلهم من ذويهم من أمريكا عن شنق السود والانتفاضات العرقية التي تحدث في مدنهم. لقد سمعوا عن قتل عدد كبير من السود في أمريكا، ولكن هاهم الآن يقاتلون ضد أناس من غير البيض لمصلحة حكومة الولايات المتحدة. ولذلك فر الكثير من الجنود السود وانضموا إلى الفليبينيين.
وعندما أصبح من المفترض أن تنتهي الحرب في الفليبين في عام 1906، كان الجيش الأمريكي في الواقع ما يزال يحاول قمع جيوب المقاومة الفيليبينية حيث وقعت مذبحة. هذه هي الطريقة الوحيدة لوصف ما حدث. «الموروز» هم مسلمون من سكان الجزر الجنوبية من الفليبين، وكان هناك قرية يسكنها 600 شخص (رجل وامرأة وطفل) وجميعهم غير مسلحين. هجم الجيش الأمريكي عليهم بصورة جماعية مفاجئة حتى أفناهم جميعاً. الأديب الأمريكي مارك توين، كتب بغضب عن هذه الحادثة. لقد غضب بصورة خاصة لأن الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت، أرسل برقية تهنئة للقائد الأمريكي الذي قاد هذه المجزرة ووصفها بالنصر الأمريكي العظيم. مثل هذا الأمر تكرر مرة بعد أخرى: عندما يقوم الجيش الأمريكي بأعمال مقيتة يتم تهنئتهم بالانتصارات العظيمة. هل شاهدتم في حياتكم فيلماً سينمائياً يصور ثيودور روزفلت كعنصري أو إمبريالي؟ أو سفاح مساند للمذابح؟ ولكن ستجدون وجهه منقوشاً على جبل المشاهير (أي جبل راشمور في ولاية ساوث داكوتا). ولذلك سنحتاج للكثير من الجهد لتغيير هذا، لقد راودتني فكرة لإزالة وجهه من الجبل – مطرقة / إزميل – ولكن كلا! لن تفي بالغرض.
ينبغي إظهار الحروب في الأفلام بطريقة مبتكرة لكي توجد جيلاً جديداً من الناس يستطيعون أن يقولوا «كلا» للحرب. نريد أن نشاهد مثل هذه الأفلام أكثر وأكثر. نريد أن نشاهد أفلام عن أولئك الأمريكان الأبطال الذين احتجوا ضد الحرب العالمية الأولى. لقد كان هناك اشتراكيون ومسالمون (باسيفيست» (Pacifist وبالطبع كان هنالك الكثير من الناس كانوا يعلمون أن الحرب مجرد حماقة أدت إلى مقتل عشرة ملايين في أوروبا بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تستعد لدخولها. نحن نبحث عن أشخاص يمكنهم بالفعل أن يكونوا مثيرين ومذهلين كشخصيات في الأفلام. انظروا إلى بعض الناس الذين في ذلك الوقت الحساس خلال الحرب العالمية الأولى عارضوا تلك الحرب. سوف تجدون المناضلة النسوية الفوضوية إيما غولدمان التي دخلت السجن لأنها عارضت تلك الحرب وكانت ضد التجنيد الإجباري. وستجدون أيضاً المناضلة الاشتراكية هيلين كيلر والتي لم أشاهدها في أي فيلم مطلقاً باستثناء ذلك النوع من الأفلام الذي يركز على كونها معاقة. لم أشاهد مطلقا أي فيلم عن هيلين كيلر يصورها كما كانت فعلياً: مناضلة، راديكالية، اشتراكية، وناشطة ضد الحرب. لقد كانت إنسانة من ذلك النوع النبيل الذي يرفض حتى عبور خط الاحتجاج الموضوع ضد مسرحية تتحدث عنها. يا له من موضوع رائع لفيلم سينمائي.
أستطيع الحديث كثيرا عن قصص وسيناريوهات عن الحروب. ماذا عن الحرب العالمية الثانية؟ مجدداً، إنها «حرب جيدة» بالطبع. أفضل الحروب. ولكن الأمر ليس بتلك البساطة، وهذا هو السبب الذي جعل المؤرخ ستادس تيركيل - عندما كتب تاريخه الشفوي - يصفها بالحرب الجيدة ووضع علامات تنصيص حول «حرب جيدة» (للتشكيك) إذا كنتم قد لاحظتم. في تلك الحرب، كان لدينا تعاطف إنساني، لقد كنا نقاتل شيطاناً فظ يعاً (الفاشية)؛ ولكن من ناحية أخرى، كان هناك حرب تميزها فظائعنا نحن التي كانت تتضاعف حتى بلغت الذروة في هيروشيما ونكازاكي. أنا لم أشاهد فيلماً يتعامل بعدل مع قصفنا لهيروشيما. أفضل ما أنتجناه هو فيلم تعامل مع قصفنا للمدنيين مبني على كتاب كورت فونيغت «المسلخ رقم خمسة»، وكان ذلك أمراً نادراً وغريباً.
يجب أن أعترف أن هناك بالفعل عدداً محدوداً جداً من الأفلام المناهضة لفكرة الحرب وكانت عن الحرب العالمية الأولى. على سبيل المثال هناك فيلم «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية»، الذي يعتبر فيلماً رائعاً. لقد قارنت في مقالة لي مؤخراً بين هذا الفيلم والفيلم الحديث «إنقاذ الجندي رايان» . لقد كتبت أنه على الرغم من التشويه المتعمد، إلا أن فيلم «إنقاذ الجندي ريان» كان في جوهره يمجد فكرة الحرب، في حين كان عنوان الفيلم الآخر واضحاً ومعادياً للحرب: «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية».
Hamad.aleisa@gmail.com
- المغرب