في الأيام القليلة الماضية حظيت بدعوة كريمة من الصديق الدكتور خالد الغامدي لحضور مأدبة دسمة من نظريات وإبداع المدرب العالمي الدكتور علي شراب وكان موضوعها (فن التعامل مع الناس) وحقيقة الأمر أن ما وجدته من إبداع للدكتور علي شراب وهو المتخصص والحاصل على الدكتوراه في علم النفس والعلاقات الإنسانية لهو جدير بالحضور والاهتمام والاطلاع ليس من باب الحضور كاسم ولكن تواجد الفكر والقلب، أقولها وبكل صراحه أن ما شاهدته وسمعته لهو مفاتيح جديرة للإمساك بها وفتح كثير من العوائق التي تواجهنا.
ولكن ما آلمني هو أن الحضور كان من النخبة في المجتمع من صحفيين وأكاديميين وكم وددت أن يكون من بين الحضور من هم حقيقة يحتاجون لمثل هذه البرامج ولعلي أسهب الحديث عن بعض النقاط التي هي من وجهة نظري تحتاج الحديث.
أولا : بالعودة إلى الوراء فإن الله جل في علاه لم يخلق البشرية عائقة التفكير وتحمل بدواخلها مبادئ الفتنة وتسير على الأرض الجدباء وهي تحيك المؤامرات والحيل للنيل من بعضها البعض ولكن نحن اكتسبناها ووثقناها وتعايشنا بها ومعها حتى أصبحت قانونا يفرض علينا ومن لم يسير على هذا النهج فإنه من ضمن مهابيل المجتمع، وهذا يدعوني إلى سؤال بسيط لو افترضنا أن ما نقدمه لعلاقاتنا الإنسانية مع الناس في (بنك للمشاعر) فكم هو مقدار ما نودعه في اليوم الواحد من مشاعر جميلة وكلمات شجية وعبارات حب ندية؟ بافتراض أن هذا البنك فيه إيداعات وهي كل ما هو جميل من هدايا وكلمات ومشاعر، وفيه أيضا من السحوبات التي يتزعمها السب والقذف والحقد والضرب والنيل من النفس البشرية، ولعل هذا ما طرحه الدكتور لعموم الحضور فجعلني هذا الأمر أستشعر أننا حقا شعب مفلس وكل ما لدينا بنوك خاوية لا يمكن أن تجد فيها سوى عبارات الحقد واللؤم فلو نظرنا على صعيد الأسرة لوجدناها عبارة عن كثير من العمليات الحسابية الفاشلة تتمثل في سحوبات بين الزوجين أو بين الأبوين والأبناء وإن نظرنا إلى المجتمع فلن تجد فيه سوى القلة التي لديها ودائع طيبة وبالفعل هذه هي الحقيقة، فلو أمعنا النظر منذ أن تشرق شمس الصباح كم من سحب يمارسه الشخص مع زوجه ومع أبنائه وأصدقاء عمله والعامل المسكين والسائق المنهك ويعود منزله بلا إيداع لو فكر كل منا لوجد جل أيامه خسارة لا تحمل معنى جميلا لحياة راقية.
لعل هذه قد تدعو الكثير بأن يتهمني بالنظرة السوداوية ولكن أنا أجزم أن هذا هو حالنا ومادام أننا نضع اليد على الجراح الغائرة فلا مانع أن نضغط حتى نشعر بالألم فإما أن نصلح ما استحدثناه من ثقافة وعادات بشعة وإلا فلماذا نضحك على أنفسنا بأن نتصف بالمثالية ونحن بعيدين كل البعد ولعل مجالسنا هي من تشهد على أفعالنا وعاداتنا أصبحنا ذوي وجوه مقنعة وزائفة وابتسامات خادعة وقلوب ممتلئة بالكذب والنفاق.
ثانيا :كم وودت أن يحضر هذا البرنامج العديد من أطياف المجتمع بدءا من المسئول المبجل العظيم الذي نسي كل سنين عمره من الاختلاط بالمجتمع والناس إلى أن وضع نفسه في برج عاجي ضاربا بكل معاني الإنسانية وكأنه يفتقر إلى أسهل مبادئ التعامل مع الناس الذي يستطيع أن يمارسه طفل العشر سنين، فلعله يعود بعد هذا البرنامج إلى رد السلام واحترام من هم أمامه بأنهم هم السبب بعد الله لوجوده في مكانه، فلولا الجمهور والمجتمع لما وجدت مسئولا يتكئ على كرسيه الهزاز.
ثالثا : أقترح على مجتمعنا العظيم أن يترك بعض العادات القاتلة وأن يؤسس بنكا لمشاعره ومشاعر الآخرين ويرى كم سيحصد من الرصيد خلال شهر فإن نجح فسوف يعيش بهناء مرتاح البال قليل الهم والمرض، ويترك الطرق على قلوب من يشاركنا الحياة.
ولا مانع أن نستشهد بشكسبير.
يقول شكسبير(إن الحزن الصامت يهمس في القلب حتى يحطمه)
ولكم الفهم.
@btihani
- جدة