لم يعد الإبداع السردي مقتصرا على فنيات القص بل تعدّاه إلى تقنية الكتابة نفسها، ففي ظل التطور التقني وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي بين جميع فئات القراء، خرجت إلى النور تجارب شابة تجيد تطويع هذه الوسائل لحمل النصوص الأدبية بكافة أشكالها الشعرية والنثرية. تجربة الكاتب والإعلامي المغربي عبدالواحد استيتو هي إحدى التجارب اللافتة التي استفادت من موقع «الفيسبوك لخلق حالة جديدة من التواصل بين القارئ والمؤلف عبر نشر فصول متتابعة من روايته «على بعد ملمتر واحد فقط» أو «زهرليزا».
صفحة «الثقافة الرقمية» للحديث عن أبعاد هذه التجربة ومدى تقبل القراء لها. في البداية تحدث استيتو عن سبب تفكيره في هذه الطريقة في السرد، فقال: إن كنت تريد العودة معي إلى البدايات، فقد كنت أفكر دائماً في طريقة مختلفة لتحبيب القارئ في كل ما هو سرد، خصوصا القصة والرواية، وذلك منذ بدايات ظهور الشبكة العنكبوتية. أذكر أنني في بدايات هذه الألفية قرأت أن كاتباً تشيكيا راهن دار نشر على كتابة رواية في مدة وجيزة وبتفاعل القراء عن طريق الرسائل القصيرة آنذاك (إس إم إس)، وقد نجح في رهانه وطبعت الرواية فعلا. مثل هذه الأفكار تستفزني في الحقيقة وأرى أننا قادرون على تحقيق أفضل منها عربيا، وهي طريقتنا الوحيدة للتقرب من قارئ نعرف أنه ينفر من القراءة بشدّة. وقتها كنت قد أطلقت فكرة «أول رواية عربية مشتركة»، والتي يشارك فيها أكثر من كاتب، كل كاتب يخط ّ فصلا. شارك فيها كاتب أو اثنين ثم توقفت الفكرة بسبب صعوبة وبطء التواصل آنذاك، حيث كانت الشبكة العنكبوتية لازالت في مهدها. أما هذه الفكرة فقد جاءت إثر كتابتي لقصة قصيرة غير مكتملة على صفحتي، حيث فوجئت بانتظار عدد كبير من القراء لنهاية القصة، فجاءتني فكرة استغلال الإمكانيات التفاعلية الكبيرة التي يوفرها الفيسبوك.. وهاهي الرواية أمامكم يزداد قراؤها يوما عن يوم.
وعن الفروقات بينها وبين الأسلوب التقليدي في كتابة الرواية الورقية، أجاب بأن هناك فروقا كثيرة، فعلى أي كاتب روايةٍ على فيسبوك أن ينسى ما يسمى بالتجريب مثلا أو غيره، القارئ الفيسبوكي ملول طبعاً ويمكن أن ينهي القراءة بضغطة زر إن شعر بأنه يتوه في الأسلوب. لابد للكاتب من أن يعتمد أسلوبا بسيطا لا يخلو من جمالية، أن يراعي الحبكة، أن يراعي إمتاع القارئ إلى أقصى الحدود وبالتالي الاحتفاظ به قارئا متابعا للرواية. في الفيسبوك، الرواية تساوي الحكي..لا غير. أيضاً، عند نهاية كل فصل على الكاتب أن يحاول ما أمكن اعتماد عنصر التشويق كي يعود القارئ إلى الرواية. في الرواية الورقية تغيب كل هذه العناصر، ويكون النص جملةً وتفصيلا ً ملكا لكاتبه، الذي يملك كل الوقت، كل المزاج، كل الآليات لكتابة روايته على مهل وكيفما يحلو له.
وعما إذا كان هناك اختلاف بين اختلاف بين حالة التلقي لرواية فيسبوكية ورواية ورقية، قال: لا أدري بالضبط. وأميل إلى الإجابة بنعم.. فيكفي أن نعرف أن الرواية على فيسبوك تكتب فصلا بفصل، فإن كنت تتحدث عن التلقي النقدي، فأكيد ستكون هناك منخفضات ومرتفعات في الرواية - التي أكتب فصولها كل يومين بالمناسبة - وذلك حسب اللحظة التي أكتب فيها. بالنسبة للقارئ، فحسب ردود الفعل الحالية، أغلب القراء مستمتعين بالرواية، بل مستمتعين بوجودها على فيسبوك الذي نعلم أي خاصيات يوفر وأي إمكانيات يستطيع الكاتب من خلالها تقريب القارئ أكثر إلى الرواية: صور، فيديوهات ، استطلاعات رأي...
وقال رداً على كيفية استطاعته الإمساك بتلابيب القص رغم هذه الفواصل الزمنية بأن العملية ليست هينة، لكنني أحاول أن أجعل من كل فصل نصّا متفرّدا بحد ذاته، بحيث لا تفلت لي خيوط الكتابة. وبالنسبة للأحداث فلا تأثير عليها، بل بالعكس، في كل مرة، ومع تعليقات القراء وآرائهم تظهر لي أفكار جديدة وأحداث جديدة أقحمها في الرواية التي يكون لدي تصور أولي لها يبدأ في التغير فصلا بعد فصل.
وعن حجم إقبال القراء على قراءة الرواية التفاعلية، وكيفية استقباله لانطباعاتهم، ومدى تأثيرها في تغيير مجرى الحبكة وأحداث الرواية، أجاب استيتو بلغة الأرقام، هناك تقريبا 2800 متابع لصفحة الرواية حاليا.
لا أعتقد أنهم جميعا يتابعونها، لكن إحصائيات فيسبوك تشير إلى أن الثلثين تقريبا هم قرّاء فعلا. وأضاف بالتأكيد أن انطباعات وآراء القراء لها تأثير كبير على سير الأحداث، بعضها يجعلني أعيد النظر في حدث ما، بعضها يجعلني أتبنّى الفكرة التي قالها المعلـّـق كما هي.
وهكذا. أعطيك مثالاً: في أحداث القصة ستتم سرقة لوحة من المتحف الأمريكي بطنجة تعرف فنيا ب»الموناليزا المغربية»، الفتاة التي في اللوحة اسمها الزهرة (وهي لوحة موجودة فعلا بالمناسبة).. أحد المعلقين أثناء تعليقه على أحد الفصول قام بتسمية اللوحة ب «الزهرليزا» مازجاً بين اسم «الزهرة» و»الموناليزا».. هذا جعلني أفكر في تغيير عنوان الرواية بالكامل إلى «الزهرليزا» لأن الاسم راقني جداً.. طبعاً بعد استئذان صاحب الفكرة الذي وافق.
وتوقع الروائي عبدالواحد استيتو أن لا يكون لنشر الرواية إلكترونيا تأثير على حجم مبيعاتها لو طبعت ورقيا. وقال أرى العكس تماما. لقد عايش القراء أحداث الرواية منذ أول يوم، فأعتقد أن أجمل ما قد يتوّج كل هذا هو كتاب مطبوع يمسكونه بين أيديهم ويضعونه في مكتباتهم. وربما هذه أول رواية يستطيع الكاتب أن يعرف عدد قرائها حتى قبل أن تطبع، وبالنسبة لنتائج استطلاع الرأي على صفحة الرواية في الفيسبوك فكما هو ملاحظ لحد هذه اللحظة، أربعة ٌ فقط يعارضون طبع الرواية.