«هجوم جديد في إحدى الصحف على ديوان شظايا ورماد، وأنا على الرغم من ثقتي بنفسي ومعرفتي بقيمة شاعريتي أنزعج لهذه المهاجمات، وقد عزمت منذ اليوم على ألا أقرأ ما يكتب عني في بغداد، فها أنا منذ شهرين أتلقى سيلاً من الشتائم في الصحف العراقية، حتى لم أعد احتمل أأنا حجر؟! أنا شاعرة بمواهبي الشعرية على الرغم من كل شيء... لا لا!! سوف أتم رسالتي فأنا ما زلت في أول الطريق لقد دفعت حياتي ثمناً للشعر، فلأكمل أغنيتي قبل أن أغادر الوجود ألم أهجر لهو الحياة ومتع الشباب كلها قانعة بزاوية من زوايا الفكر تكفي لأن أرسل منها نشيدي، لا!! ها أنا ذي مملوءة شعراً. »نازك الملائكة 23 - 12 - 1949م. (من يومياتها) »أنا لست متشائمة» ما اضخم هذه الأسطورة التي «يعرفها» عني كل إنسان في العراق وخارجه أنا مشهورة الآن ولا يقوى إنسان على تغيير فكرة الجمهور عني يا لهم مضحكين! لو علموا أية فتاة متمردة تختفي وراء تشاؤمي المزعوم. «نازك الملائكة 31 - 12 - 1949م. (من يومياتها) «ان الذي يمضني قبل كل شيء أن بدر شاكر السياب قد افلح في إقناع كل الملتفين حوله من الأدباء (ولعلك تدرك أن ني معدومة الصلة بالأدباء هنا) بأنه هو الذي بدأ الحركة، وأنا ألاحظ أن الكتاب الذين يصدقونه دون تمحيص يزيدون وقد نسي الجمهور المتعجل نسيانا تاما أن ديوانا اسمه (شظايا ورماد) قد نال ثورته الحادة سنة 1949 وما أسرع ما تنسى الجماهير... انهم يتحدثون في الموضوع وكأن ليس لي أي دخل فيه وقد بت أحيانا افقد ثقتي الدائمة بأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، هذا على الرغم من أن أبي واخوتي يؤكدون لي أن التاريخ لا يضيع ما دامت هناك نصوص مطبوعة تشهد. إن من الممكن طبعا أن اكتب إلى مجلة (الآداب) أو (الأديب) لاعلن رأيي في القضية إلا أن ني في الواقع لا أجد شيئاً أتفه ولا أقبح من أن أثير ضجة حول قضية تافهة مثل «من صاحب الحق في الشعر الحر؟ نازك الملائكة أم بدر شاكر السياب؟» إنها قضية شكلية على كل حال ولهذا اتركها وامضي ساكتة هذا فضلا عن إيماني المقتنع بأن أصدقاء بدر السياب عندما سينتبهون أخيرا ذات يوم بعد عمر طويل - إن شاء الله - إلى التواريخ والنصوص التي كان يجب أن ينتبهوا إليها قبل أن ينشروا آراءهم في الصحف لا بد أن يدركوا أن هم كانوا مندفعين. » نازك الملائكة في رسالتها المؤرخة 16 - 11 - 1953 إلى عيسالناعوري، أعني بالصوت المكتوم أن مئات المداخل التي تشير إلى نازك الملائكة لا تعكس سيرتها الإبداعية في سياقها الزمني أي الفترة التي شهدت حضورها المضيء بين 1947حين نشرت قصيدتها التاريخية الرائدة «الكوليرا»وأول دواوينها «عاشقة الليل» وبدء ما اصطلح عليه بالعزلة الاختيارية في مصر عام 1990 أو قبل ذلك بسنوات. وذلك لأن في المدونة فجوة ملحوظة كما قلت سابقا في تغطية ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى أواخر القرن الماضي. ولهذا لا نقرأ في المداخل نماذج من كتاباتها بصورة مباشرة بل نتلقاها عن طريق ما يكتبه الآخرون من بحوث أو تعليقات يرجع تاريخها غالبا إلى 2000 - 2011 باستثناء حوالي (30) مدخلاً منشورا في العقد الأخير من القرن الماضي. ويلاحظ كذلك تفاوت في توزيع المداخل جغرافيا حسب ورودها في أوعية النشر المختارة لكل قطر عربي كما يتجلى في البيان التقريبي التالي: العراق (250) سورية (140) المملكة العربية السعودية (90) لبنان (60) الكويت (50) عمان (47) الأردن (22) الجزائر (17) مصر والإمارات (7) المغرب (4) ليبيا (3). أما بقية الأقطار فليس لها أي نصيب من المداخل وفقاً للمدونة. وعلى الرغم من ذلك كله فمن الممكن القول إن ما تقصيته من المداخل يتناول جوانب كثيرة من أعمالها الشعرية والنقدية وتوجهها القومي والديني وتأثيرها الملموس في الدراسات الأدبية والجدال المستمر حول دورها الريادي في حركة الشعر الحر وموقفها من قصيدة النثر أو ما يقال عن عناصر»الردة» أو الارتداد في تجربتها، وما كان لتنظيرها النقدي من اثر سلبي في تطور شاعريتها وتقييم بعض الشاعرات أو الكاتبات لدور نازك الملائكة وغيرها من القضايا التي يتعذر عرضها في حلقة واحدة. وسأكتفي في هذا المقام بعرض نماذج مما ورد في أوعية النشر في المملكة العربية السعودية على أن أعود إلى الموضوع في حلقتين أخريين تتناولان أولاً نماذج عامة من بقية الأقطار العربية وثانيا رؤية الأديبة العربية لدور نازك ومنجزاتها.
لقد لاحظت في بعض النماذج المدرجة في أدناه ما يتطلب التوضيح أو التعقيب معتمداً على معلومات أو جهود شخصية حول ثقافة نازك ومكانتها وان كانت متقطعة أو محدودة بسبب اغترابي الطويل عن الوطن.
1 - رسائل نازك الملائكة إلى عيسى الناعوري. ان مدخل صحيفة «الشرق الأوسط» غير دقيق في وصف الكتاب بأنه يجمع رسائل لم تنشر بين 1948 و1985 إذ إنه لا يضم سوى (15) خمس عشرة رسالة تبدأ بتاريخ 14 - 9 - 1952 وتنتهي بتاريخ 16 - 5 - 1954 ويبدو أن سبب هذه الإشارة غير الصحيحة يرجع إلى أن الكتاب نفسه هو جزء من مشروع أوسع تحت عنوان « عيسى الناعوري وأدباء عصره رسائل مخطوطة لم تنشر 1948 - 1985». ولا بد لي أن أضيف إلى ذلك دوري المتواضع في بدء المراسلة بين الملائكة والناعوري في عام 1952 ودعوة عدد من الأدباء العراقيين إلى الإسهام في مجلة «القلم الجديد» التي شرع بإصدارها أن ذاك الناعوري وذلك لقيامي بدور مراسلها في بغداد كما جاء في الرسالة الأولى (14 - 9 - 1952): بغداد في 14 - 9 - 1954 الأديب الفاضل الأستاذ عيسى الناعوري أرق تحية تلقيت العدد الأول من مجلتك المبشرة شاكرة لك أجمل الشكر، ووجدتها - كما أملت - قيمة، تستجيل للآمال التي أعقدها عليها، ويعقدها معي أدباء كثيرون، ولا مجلة تبدو لي اليوم أهم لثقافتنا وأدبنا المعاصر من مجلة تجعل هدفها الأول النقد الأدبي.. أقول هذا وأنا أتذكر أن صاحب «القلم الجديد» معنيّ منذ سنين بالنقد الأدبي، ولا شك في أن مجلته ستخصص جهوداً كبيرة لهذا الفرع المهمل من فروع الأدب العربي، وتعنى، على الأخص، بتصحيح المفاهيم المغلوطة التي يحملها جمهرنا عنه. وقد ابلغني الأستاذ صالح جود طعمة - مراسل مجلتكم في بغداد - دعوتك، ويسرني أن ألبيها، وسأرسل لعدد الشهر القادم قصيدة أو مقالاً. ولمجلتك ختاماً تمنياتي، ولك خالص المودة والتقدير. المخلصة نازك الملائكة (انظر رسائل نازك الملائكة ص 17)، وقد يكون من المفيد تاريخيا أن أشير إلى أن الملائكة كانت تدرس آنئذ في دار المعلمات الابتدائية وكنت مدرسا في مدرسة الغربية المتوسطة التابعة إلى دار المعلمين العالية قبل سفري إلى الولايات المتحدة كطالب بعثة في صيف 1953 علما بأن الظروف لم تتح لي أن التقي بها شخصياً إلا في الولايات المتحدة في أواسط الخمسينيات من القرن الماضي في معية عدد من طلاب البعثة العراقيين وحضور الملحق الثقافي الدكتور محمد ناصر. وإذا جاز لي أن أضيف معلومة أخرى مهمة فهي تخص إحساسها بالعجز عن قول الشعر كما قالت حينذاك، بسبب حرمانها من البيئة العربية وسماع أي لون من ألوان الصوت العربي ويبدو أن هذا العجز استحال إلى أزة شديدة دامت اكثر من سنتين لم يطاوعها التعبير بالعربية خلالهما كما قالت في «لمحات عن سيرتي وثقافتي» «.. كان التعبير بالعربية لا يطاوعني تماما بعد سنتين لم أتكلم خلالهما الا بالإنجليزية وكانت حياتي الفكرية والروحية كلها تقوم على هذه اللغة الأجنبية وكنت أحس بذلك إحساسا قاسياً، خاصة خلال وجودي في مؤتمر الأدباء (الثاني بلودان 1956) الذي افتتحت به إلى الوطن العربي الحبيب ولم يزايلني هذا الإحساس الا بعد اشهر في العراق استعدت خلالها طلاقة التعبير بالعربية».
2 - ريادة الشعر الحر يثير مدخل رسائل نازك ومداخل أخرى موضوع ريادة الشعر الحر (نازك الملائكة - بدر شاكر السياب أم غيرهما قبل أربعينيات القرن الماضي أو حتى في العصور الوسطى أنظر رأي عبد الله الطيب في مدخل إبراهيم القرشي) وهو لا يزال موضع جدل متواصل منذ الأربعينيات، وقد تناوله عدد كبير من الكتاب العرب وغيرهم وبينهم الأستاذ جهاد فاضل في مقاله المنشور قبل أيام (13 - 1 - 2013) في جريدة الرياض «من بدأ بالشعر الحر؟».
وقد قيل ويمكن أن يقال في المستقبل الشيء الكثير عن تجارب مماثلة حدثت قبل تجديد نازك (في العراق أو أقطار عربية أخرى) غير أن ذلك كله لا يغير من تاريخ انتشار الشعر الحر كحركة بدأت في العراق ولا ينال من دور الملائكة الريادي في تطوره بفضل منزلتها كشاعرة استوعبت التراث الشعري العربي ومارست أشكاله الموروثة وجددت وظلت تواصل التجديد في هيكل القصيدة العربية حتى يومنا هذا، وثانياً كمنظرة ذات رؤية أصيلة وثقافة موسوعية متعددة الأبعاد (الأدب والتمثيل والموسيقى والفلسفة واللغات الأجنبية وغيرها من حقول المعرفة) وتجربة ساعدتها على وضع الأسس النظرية الأولى للشعر الحر، وتتبع تطوره بتفصيل لم يشهده الأدب العربي الحديث من قبل.
3 - ثقافة نازك الملائكة ومنجزها النقدي ومسألة «رسالة الماجستير» تشير بعض المداخل إلى ثقافتها المتميزة النادرة المثال وإلى منجزها النقدي، واخص بالذكر ما جاء فيما أورده الدكتور عبد الرضا علي وقد عرف بأعمال أخرى عن نازك الملائكة «مثل دراسته القيمة «نازك الملائكة الناقدة» (1995) التي لا يستغنى عن الرجوع إليها عند مراجعة مداخل أخرى عن المرأة الناقدة. واعتقد أن من المهم جداً عند الحديث عن ثقافتها الموسوعية أن يؤخذ بنظر الاعتبار ما ذكرته عام 1947 في رسالة شخصية عن قراءاتها في التراث العربي والإسلامي والعالمي في مرحلة مبكرة من حياتها قبل أن تصدر ديوانها الأول «عاشقة الليل» كما جاء في مقا ل الدكتور عبد الله إبراهيم «نازك الملائكة رسالة نادرة بعد ستين عاما «(مجلة الدوحة نوفمبر 2009 ص ص 62 - 65) وليس لدي أي شك في أن ثقافتها الموسوعية آنذاك ازدادت بمرور الأعوام غنى وعمقاً بفضل مواصلتها التتبع الذاتي وتجاربها الأكاديمية وتفرغها للدراسة بضع سنوات في جامعتي برنستون (1950 - 1951) ووسكنسن (1954 - 1956).
لقد أحسن الدكتور عبد الرضا بعرض جوانب من ثقافتها ومتطلبات دراستها في جامعة وسكنسن غير أن إشارته إلى أن إعدادها لرسالة الماجستير استغرق سنتين لا تتفق - حسب علمي - مع الواقع لان دراستها لم تتطلب إعداد رسالة بل اقتصرت على إكمال عدد من الكورسات ومتطلبات أخرى علماً بأن الشاعرة نفسها لم تشر إلى أية رسالة كتبتها للماجستير - حسب معلوماتي - .
4 - نازك الملائكة بين محاولات التكريم وتحامل النقاد. ترد في النماذج التالية إشارات إلى ما تعرضت له نازك الملائكة من هجوم النقاد طوال مسيرتها وما فيه من ظلم وسوء فهم أو تشويه، وقد أشارت إلى ذلك المخرجة العراقية خيرية المنصور في معرض الحديث عن مشروع فيلمها التسجيلي قائلة »أريد في هذا العمل أن أنصف الشاعرة التي ظلمها الكثير من النقاد وان اهدي إلى أحبائها فرصة يطلون بها على حياة واحدة من اكبر أدباء العرب في العصر الحديث». ويلاحظ كذلك في بعض النماذج ما حظيت به من تكريم في الكويت ومصر، إذ كرمت في الكويت بإصدار كتاب تذكاري (1985) «: نازك الملائكة دراسات في الشعر والشاعرة» (بقلم نخبة من أساتذة الجامعات واعداد الدكتور عبد الله أحمد المهنا) ضم ما لا يقل عن عشرين بحثا عن حياتها ومعالم بارزة في أعمالها الشعرية والنقدية كما كرمت بمنحها جائزة البابطين الشعرية، إضافة إلى تكريمها وما لقيته من رعاية في مصر في آخر مراحل حياتها (1990 - 2007) وقيام المجلس الأعلى للثقافة بإصدار أعمالها الكاملة في خمسة مجلدات كما جاء في مقالي الدكتور عبد الرضا علي (الشرق الأوسط 20 و21 نوفمبر 2002).
5 - هناك مداخل أخرى تثير التساؤل وتدعو إلى متابعة التحقيق كالزعم بأن نازك الملائكة كانت تستحضر الأرواح والحوار بين محمد عبد الشافي القوصي ونازك الملائكة وقد نشر في مرحلة عزلتها وحديث علي جعفر العلاق عن» الأساس النجفي لتربية نازك الثقافية والشعرية وكأنه يتعرض لزحزحة قوية بفعل ذلك المناخ البغدادي المتمثل في الثقافة والشعر وقلق التغيير
«نماذج من المملكة العربية السعودية *رسائل مخطوطة لنازك الملائكة تعيد الجدل حول ريادة الشعر الحر طلبت الشاعرة العراقية من الكاتب الأردني عيسى الناعوري عدم نشر رسائلها إلا بعد عشرين عاما عمان: «الشرق الأوسط 13 +يوليو 2002 يثير كتاب «رسائل نازك الملائكة» إلى الكاتب الأردني عيسى الناعوري الجدل من جديد حول ريادة الشعر الحديث أو الحر. وقد جمع الباحث تيسير النجار في هذا الكتاب رسائل مخطوطة لم تنشر بين عامي 1948 و1985 تبودلت بين نازك الملائكة والناعوري، وطلبت فيها نازك عدم النشر إلا بعد عشرين عاما. وكان عيسى الناعوري انذاك رئيسا لتحرير مجلة القلم الجديد الأدبية التي نشرت فيها نازك الملائكة قسماً من قصائدها الجديدة على الرغم من أن الناعوري كان متعصبا للشعر الموزون المقفى. وتكشف هذه الرسائل، التي مضى عليها نصف قرن، جوانب من حياة نازك الملائكة، خاصة الفترة التي فقدت فيه أمها وجدها، كما تقدم رؤيتها للشعر الجديد وتسجل ريادتها له. تقول في رسالتها المؤرخة في (16 - 11 - 1953): «أنا اعلم أن بدر السياب بدأ يحاول في إلحاح منذ سنة أن يخبر كل انسان أنه هو الذي بدأ الحركة وأنني أنا لست إلا تابعة... ولكن الزميل سامحه الله على كل حال ينسى أن القصائد كثيرا ما تنشر في الصحف قبل جمعها في دواوين مطبوعة وهو لا يعلم على الإطلاق أن قصيدتي الحرة الوزن (الكوليرا) المنشورة في (شظايا ورماد) قد نشرت في عدد كانون الأول 1947 في بيروت في مجلة (العروبة) التي كان يصدرها الأستاذ محمد علي الحوماني وانني كنت قبل ذلك بشهرين قد أرسلتها إلى أديب صديق في لبنان استطلع رأيه في هذا الأسلوب الجديد الذي وفقت إليه وأنا أحاول في جهد نفسي منفعل التعبير عن إحساسي تجاه الآلاف من الموتى الذين قضى عليهم داء الكوليرا الذي تفشى في مصر انذاك. وقد تسلَّمت من الأديب المذكور رسالة ما زلت احتفظ بها يخبرني فيها أنه عرض القصيدة على (عمر أبوريشة) و(نقولا فياض) و(عبد الله العلايلي) وغيرهم فانقسموا حولها في الرأي».
ثم تعبر الملائكة عن قلقها تجاه أمر هذه الريادة بقولها: «وإذا علمت أيها الأخ أن ديوان بدر شاكر السياب (أزهار ذابلة) قد صدر في النصف الثاني من كانون الأول 1947 وانه أول اثر مطبوع له أدركت ماذا عليك أن تسمي دعواه هذه التي ليس في تاريخي الأدبي كله منذ سنة 1941 ما يؤيد إمكان حدوثها. إن الذ ي يمضني قبل كل شيء أن بدر شاكر السياب قد افلح في إقناع كل الملتفين حوله من الأدباء (ولعلك تدرك أنني معدومة الصلة بالأدباء هنا) بأنه هو الذي بدأ الحركة، وأنا ألاحظ أن الكتاب الذين يصدقونه دون تمحيص يزيدون وقد نسي الجمهور المتعجل نسيانا تاما أن ديوانا اسمه (شظايا ورماد) قد نال ثورته الحادة سنة 1949 وما أسرع ما تنسى الجماهير، ولعلك تستغرب عندما أخبرك أن هذه أول مرة أثير فيها الموضوع في كلامي إلى انسان، انهم يتحدثون في الموضوع وكأن ليس لي أي دخل فيه وقد بت أحيانا افقد ثقتي الدائمة بأن الحق يعلو ولا يعلى عليه هذا على الرغم من أن أبي واخوتي يؤكدون لي أن التاريخ لا يضيع ما دامت هناك نصوص مطبوعة تشهد. إن من الممكن طبعا أن اكتب إلى مجلة (الآداب) أو (الأديب) لاعلن رأيي في القضية إلا أنني في الواقع لا أجد شيئا اتفه ولا اقبح من أن أثير ضجة حول قضية تافهة مثل «من صاحب الحق في الشعر الحر؟ نازك الملائكة أم بدر شاكر السياب؟» انها قضية شكلية على كل حال ولهذا اتركها وامضي ساكتة هذا فضلا عن إيماني المقتنع بأن أصدقاء بدر السياب عندما سينتبهون أخيرا ذات يوم بعد عمر طويل - ان شاء الله - إلى التواريخ والنصوص التي كان يجب أن ينتبهوا إليها قبل أن ينشروا آراءهم في الصحف لا بد أن يدركوا أن هم كانوا مندفعين. وتكشف لنا الرسائل ملمحا آخرا وهو المكانة الأدبية الرفيعة التي احتلتها مجلة (القلم الجديد) في العراق، وحرص أدباء العالم العربي على التواصل معها والكتابة فيها ومراسلتها إيمانا منهم بنبل رسالتها ودورها الريادي. نموذج من رسائل الملائكة إلى الناعوري الصحف, الأخبار, الأخبار الثقافية, المملكة العربية السعودية, 2000 - 2010. الشرق الأوسط بغداد في 1 - 12 - 1953 * الأخ الكريم الأستاذ عيسى الناعوري: تحية جميلة اني اقدر كثيرا رسالتك الطويلة التي بعثت بها إلى هذا الأسبوع وشغلت نفسك فيها بقضية الشعر الحر، ويزيد تقديري علمي بأنك لا تحب هذا الموضوع الذي أعلنت في مقالات عديدة رأيك فيه، وأناما زلت أثق من أن السماحة في معالجة قضايا الأدب شرط أساسي في مؤرخ الأدب وناقده. أما كون رأيك في الموضوع يخالف رأيي فلعله أنفع لك ولي وللأدب عموماً.
ماذا يقول الفيلسوف الفرنسي: «ان خير طريقة يرى فيها جماعة من الناس منظرا أن يقفوا ظهرا بظهر يحدق كل إلى جهة من الجهات» ان هذا هو عينه ما يحدث في حالة اختلاف الآراء بيننا، فأنا أرى من نقطة وأنت ترى من نقطة غيرها ومن ثم فإن كلا منا يرى جزءا من الحقيقة لعل الآخر لا يراها، وقد أكون أنا على خطأ كامل أليس كذلك؟ والمهم قبل كل شيء أن يستفيد كل منا من هذا الاختلاف والأديب إذا لم ينتفع بآراء معارضيه كان أديبا ضيق النظر.
إن المعارضة هي المدرسة الكبرى في نظري وأنا شخصيا قد انتفعت طيلة حياتي بأحكام الذين يهاجمونني وكثيرا ما تعلمت دروسا حتى من ابنة عمتي الصغيرة التي تبلغ العاشرة من العمر، وعلى هذا فإن الصلة الأدبية بيني وبينك باقية على خير والخلاف أنفع لها وللأدب المعاصر الذي نسعى كلنا إلى أن نكسبه العمق والخصوبة والجمال. حاشية: لو علمت مدى ابتعاد موجة الشعر الحر عن الغاية التي كنت أنا اهدف إليها يوم ناديت به أول مرة سنة 1949 في (شظايا ورماد) لاكتشفت أن رأيك القاسي ليس بعيدا بعدا شاسعا عن رأيي. دعني أخبرك مثلا أنني منذ سنتين قد كتبت مقدمة لديوان ثالث من شعري لم يتح لي بعد إصداره وقد درست فيها موضوع الشعر الحر منذ صدور ديواني الثاني، وأشرت إلى طائفة من الشروط والمزالق التي يتضمنها هذا التحرر وهي شروط لم يعبأ بها اكثر الشعراء ومزالق لم يدركوا وجودها فسقطوا فيها. وقد بعثت منذ اكثر من سنة بمقال حول الموضوع إلى مجلة (الأديب) لينشر في العدد الممتاز الذي أجل إصداره شهرا بعد شهر حتى هذه اللحظة وان أنوي الكتابة إلى (الأديب) والإيعاز بنشر المقال قريبا (انظر رسائل نازك ص ص 43 - 47). * نازك الملائكة.. ملامح من انطلاقة غير مسبوقة وانسحاب مبكر (1) الصحف, الأخبار, الأخبار الثقافية, المملكة العربية السعودية, 2000 - 2010. الشرق الأوسط +20 نوفمبر 2002 د. عبد الرضا علي ترقد الشاعرة العراقية نازك الملائكة منذ اشهر عديدة في أحد مستشفيات العاصمة المصرية التي تعيش فيها منذ عام 1992، وهي في شبه غيبوبة. وقبل ذلك اعتزلت هذه الرائدة الكبيرة الحياة الثقافية والاجتماعية منذ ما يقرب من عشر سنوات وسط تجاهل إعلامي وثقافي كعادتنا مع كبارنا الأحياء. لكن من حسن الحظ أن المجلس الأعلى للثقافة في مصر تنبه لذلك، فأصدر قبل أيام أعمالها الكاملة في خمسة مجلدات، كما كرسها اتحاد كتاب المغرب في ندوته حول الكتابة النسائية والذاكرة والمكان التي نظمت في مدينة اسفي المغربية قبل حوالي شهرين. وكانت منذ صغرها تحب اللغة العربية والإنجليزية والتاريخ، ودروس الموسيقى، وتجد لذة في دراسة العلوم، ولا سيما علم الفلك وقوانين الوراثة والكيمياء، لكنها في الوقت نفسه كانت تمقت الرياضيات مقتا شديدا. أما التفكير الفلسفي فقد تملكها منذ الصبا حتى غدا عادة من عاداتها تقول: «كنت دائماً اب أن أفلسف كل شيء، واغوص في جنباته وأسبابه. وفي سنوات النضج أقبلت على قراءة الفلسفة». ويبدو أن إحساسها الدائم بأنها تختلف عن سائر البنات اللاتي كن في سنها أيام الطفولة كان نوعا من التفكير الفلسفي الذي قادها إلى الانعزال عنهن، لأننا وجدناها تقول: «فأنا كثيرة المطالعة، محبة للشعر والغناء، جادة.. قليلة الكلام، بينما هن لا يطالعن ولا يعبأن بالفن وليس لهن من الجد في الحياة الا اليسير..... وفي عام 1954م، هيأت لها مديرية البعثات العراقية دراسة الأدب المقارن في الولايات المتحدة الأمريكية في جامعة »وسكنسون» للحصول على الماجستير، فاستغرق إعداد الرسالة سنتين كتبت خلالهما مذكرات أدبية كثيرة على الكتب التي قرأتها والأشخاص الذين تعرفت إليهم وعاشت معهم في تلك الحقبة. ولاتساع حجم تلك الملاحظات نشير فقط إلى الأسماء التي سجلت عنها ملاحظاتها النقدية، وهم: الفيلسوف الفرنسي «جان ماري غويو»، الفيلسوف الألماني «نيتشه»، الفيلسوف القديس »اوغسطين»، الكاتب الفرنسي «آندريه مارلو»، الاديب الفرنسي «البير كامو»، الفيلسوف الفرنسي »سارتر»، الكاتب المسرحي الإيطالي «لويجي بيرانديلو»، الكاتب المسرحي الإنجليزي «ج.ب. بريستلي»، الكاتب المسرحي «بوجين اونيل»، الكاتبان المسرحيان الأمريكيان «آرثر ميلر»، و»تينسي وليامز»، والإيطالي «البرتو مورافيا»... وقد ذكرت نازك في إحدى رسائلها أسماء الشعراء الإنجليز الذين أحبتهم، مما جعلنا نعد تلك الرسالة وثيقة مهمة ـ في الكشف عما كان في ثقافتها من اثر غربي ـ تبيح لنا الاستشهاد بجزء منها، وان كانت الرسالة شخصية، فهي تقول فيها: »وأولهم عندي شكسبير في مسرحياته وسونيتاته وقصائده الطويلة، فقد أحببته اشد الحب، وما زلت أجد النشوة في قراءة شعره، فهو شاعر الذروة يليه جون كيتس الذي درسته دراسة موسعة، وحفظت كثيرا من شعره، يليه فرانسس تومسن وروبرت بروك وت. س ايليوت وييتس وولسن توماس. ومن الشعراء الذين أحببت شعرهم جون دون، فشعره يبدو لي رائع الأعماق بحيث أجد دائما لذة في قراءته. وهناك شعراء اقل شهرة اسعد بقراءة شعرهم مثل: ادغار الن بو وتشيسترتن واوسكار وايلد ولونغفلو، وشعراء آخرين قد أكون أحببت لكل منهم قصيدة أو قصيدتين أما كولرج ووردزورث وشلي وبايرون فقد قرأت لهم كثيرا وأحببتهم أحيانا ولم أتحمس لهم أحيانا أخر. * لماذا ظلت تهمة الارتداد عن الشعر الحديث تلاحق نازك الملائكة (2 - 2) الصحف, الأخبار, الأخبار الثقافيه, المملكة العربية السعودية, 2000 - 2010. الشرق الأوسط. +21 نوفمبر 2002 د. عبد الرضا علي... ليس سهلا على شاعرة «مجددة» أن يحكم عليها بالارتداد عن الحركة التي كانت هي من روادها الأوائل، لأن ذلك يعني في محصلته النهائية أن ما جاءت به من إبداع شعري، وما كان قد تلاه من تنظير نقدي، لم يكن غير صرعة أو فورة مرحلية بنيت على خطأ في التقدير، فقادت إلى نتائج موهومة وليست الحال كذلك لأسباب كثيرة، منها
1- أن الشاعرة كانت مؤمنة بقضية التجديد التي دعت إليها، وظلت تؤكدها في كل المناسبات واللقاءات. ولعل في ردودها الصارمة على ما تناقله الكتاب، ووصفها لما رددوه بـ «الإشاعات والتقولات الاعتباطية التي هي أحد أسباب تخلفنا في العالم العربي» ما يفصح عن موقف ثابت من التجديد والدفاع عنه، على الرغم من كل ملابسات الاتهام وأسبابه ودواعيه.
2 - أن خطأ نازك الكبير الذي قادها إلى تغيير موقفها من الشعر الحر كان بسبب تعنت مزاجي لمخالفة المهاجمين ومناكدتهم. ولعل ما يؤكد ذلك تراجعها عنه، ومحاولة تفسيره فلسفيا بالقول «ان لفتات الذوق تتبدل تبدلاً محتوماً من عصر إلى عصر» حين توقف المهاجمون. ولتوضيح ذلك نقول: ان الناقدة حينما درست عيوب الشعر الحديث لم تستشهد الا بشعر المتضامنين معها من الرواد، فأظهرت عيوبا في شعر: السياب والبياتي وبلند الحيدري وشاذل طاقة. ففسر ذلك على أنه ارتداد عن الحركة وتنصل منها، فهوجمت هجوما عنيفا، وعدت محاولتها في تقعيد الشعر وضبطه على وفق آرائها التنظيرية محاولة رجعية للعودة إلى قيود شعر الشطرين، وإفراغ الحركة من محتواها الأصيل المتمثل بالخرق المفضي إلى الإبداع، فكان أن قادها هذا الهجوم إلى التمسك المتعنت بآرائها، فلجأت إلى الدعوة إلى الأوزان الشطرية إمعانا في مخالفة المهاجمين لها، وإغاظتهم ليس غير. لأننا وجدناها تعود إلى موقفها الأول في آخر دواوينها الشعرية «للصلاة والثورة» 1978م، محتضنة الشعر الحر، مدافعة عنه، داعية إليه بقولها: «إنني منذ ثلاث سنوات كاملة ملتصقة اشد الالتصاق بالشعر الحر، غير راغبة في تخطيه والعودة إلى شيء من الشطرين. فليس من المعقول أن تظل تهمة الارتداد عن الحركة، والتنصل منها تلاحقها حتى بعد مرحلة «شجرة القمر» 1968م، لأن موقف الشاعرة قد تغير، فقد أصدرت مجموعتين شعريتين لا تكاد قصائد الشطرين تذكرها فيهما إذا قيست بالقصائد الحرة. ففي »يغير ألوانه البحرُ» 1978م، لا تجد قصيدة واحدة من شعر الشطرين، وفي «للصلاة والثورة» بيروت 1978م، لا تجد غير قصيدة يتيمة من شعر الشطرين هي «الخروج من المتاهة» إذا استثنينا قصيدة «تحية للطفلة دالية» لكونها قصيدة تجريبية تطرح أول مرة، فكيف ظلت تهمة الارتداد تلاحق نازك؟ اغلب الظن أن خصومها استطاعوا أن يزعزعوا الثقة بتجديدها، فانحسر النقد العلمي عنها، وبات مكتفيا بما قاله الخصوم، ولولا جهود عبد الله أحمد المهنا واستجابة نخبة من أساتذة الجامعات، لما صحا النقد الجامعي من غفوته، وتنبه قبل فوات الأوان، وانصف الشاعرة، واعاد ثقة القراء بها. * مجلات الصحف, الأخبار, الأخبار الثقافية, المملكة العربية السعودية, 2000 - 2010. الشرق الأوسط. * «المجلة العربية»: حوار مع نازك الملائكة * لندن: «اشرق الأوسط»: في عددها المزدوج، ديسمبر ( والدراسات الشرعية واللقاءات ومنها لقاء قصير مع الشاعرة العراقية نازك الملائكة التي تحدثت عن أسباب أن عزالها عن الحقل الثقافي والأدب + 3 يناير2003. لندن: «الشرق الأوسط»: في عددها المزدوج، ديسمبر (كانون الأول) ويناير (كانون الثاني)، نشرت »المجلة العربية» العديد من الموضوعات الثقافية والفكرية والأدبية والدراسات الشرعية واللقاءات ومنها لقاء قصير مع الشاعرة العراقية نازك الملائكة التي تحدثت عن أسباب انعزالها عن الحقل الثقافي والأدبي، رادة ذلك إلى المرض وليس لأي سبب آخر، وعن آرائها في الشعر العربي اليوم، وعجزها عن كتابة الشعر تقول «هناك موضوعات كثيرة ترسو على شاطئ وجداني كل يوم، وما من لحظة إلا وتداهمني أفكار قصائد مداهمة مندفعة، خاصة في الساعات المتأخرة من الليل، فلا أستطيع أن انهض لأسجلها، وسرعان ما تضيع وتتلاشى الفكرة، وبذلك تموت القصائد في مهدها». وللأسف، لم يشر المحاور محمد عبد الشافي القوصي من مصر إلى زمن هذا الحوار القصير، فالمعروف أن الشاعرة تعرضت لغيبوبة منذ اشهر طويلة. * سحبت البساط من أقدام الرجال الصحف, المقالات, الثقافية, المملكة العربية السعودية, 2000 - 2010. الشرق الأوسط 14 + ديسمبر 2003 شوقي بزيع اعتقد أن ثمة خسارة مزدوجة الدلالة بغياب فدوى طوقان. أولاً كونها شاعرة ذات صوت شفاف وعذب وحافل بالترجيع الغنائي وإرادة المقاومة الصلبة، وخسارة أخرى كونها امرأة شاعرة. فقد جسدت هذه المرأة إحدى الملامح الأنثوية للحداثة العربية التي تأسست مع نازك الملائكة ولميعة عباس عمارة، فإذا كان الشعر العربي ذا وجه ذكوري محض، فإن تجربة فدوى طوقان وأخريات أخرجت هذا الشعر من ذكوريته (الفظة) وأكسبته صدقيته التي حرم طويلاً منها. فدوى طوقان هي من اللاتي سحبن بساط اللغة من تحت أقدام الرجال، وشريكة أساسية في حروب الاسترداد التي أبقتها شهرزاد في حدود المشافهة والسرد، في حين أكسبتها فدوى ومثيلاتها بعدها الكتابي، الذي ظل في عهدة الرجل لقرون طويلة. ومع ذلك فهي لم تذهب في المجازفة إلى نهايتها وظلت وفية لمفاهيم الحداثة الأولى، شأنها في ذلك شأن نازك الملائكة، وقد يعود ذلك إلى طبيعتهما الأنثوية التي لا تستطيع ولا تجرؤ، ربما، على الذهاب إلى نهاية الشوط في بيئة شرقية ديدة القسوة والمحافظة. إنما يكفي هذه التجربة أنها شقت الطريق ومهدته أمام نساء أخريات لكي يكملن بدأب وإقدام ما عملت فدوى على إنجازه. * شعرية نازك الملائكة وتناقضاتها الصحف, الأخبار, الأخبار الثقافية, المملكة العربية السعودية, 2000 - 2010. الشرق الأوسط +12 فبراير 2002 جدة: محمد المنقري عن سلسلة كتاب الصدى الإماراتية صدر كتاب جماعي بعنوان «نازك الملائكة أميرة الشعر الحديث» شارك فيه عبد الوهاب البياتي، ممدوح عدوان، ثريا العريض، أحمد سويلم، سالم خدادة، سعيد بن خاطر، علي جعفر العلاق، عبد المعيقل وآخرون. وتحدث الشاعر عبد الوهاب البياتي عن سنوات تعارفه الأولى مع نازك الملائكة، وتجربتها الشعرية، وما أسماه أفكارها المثالية. كما أشار إلى تشددها في طرح آرائها كالتي قدمتها في كتاب «قضايا الشعر» حول العروض والإيقاع في القصيدة الحديثة وما قابله من تحفظ شديد من قبل المعنيين بالشعر. وكتب البياتي: كان لنازك في بداياتها لغة خاصة تماماً، لكن كنت أحياناً عندما أقرأ هذه القصيدة، أو تلك أقول: لو كتبت هذه القصيدة بالشكل العمودي لما فقدت شيئاً، أتتساءل لما التشديد؟ عندما أقرأ بعض شعرها، وليس كل شعرها طبعاً، أي أنه كان يمكن أن تكتب هذا الشعر بطريقة عمودية.
أنا اعتبرها شاعرة كبيرة، بل أهم شاعرة عربية في بداياتها، دواوينها الأولى من أهم دواوين الشعر العربي، ولو استمر في التطور وفي ارتياد آفاق جديدة لبلغت شأواً كبيراً للمرة الأولى في تاريخ الشعر العربي كامرأة، ولكن مع الأسف أنها لم تواصل الرحلة. أما علي جعفر العلاق فهو يعتبر تجربة نازك الملائكة تجربة تحمل عناصر الارتداد والنكوص منذ البداية، فهي مغامرة لا تستمر، بل تقمع ذاتها، وتناقض مسار حركتها على الدوام. لم تكن نازك نتاج تربة واحدة صافية ومتجانسة إلى النهاية، كما يرى. كانت نازك الملائكة نجفية لكنها لم تكن كذلك حتى نهاية الشوط فقد أضافت إليها بغداد سماتها، حتى بدا الأساس النجفي لتربية نازك الثقافية والشعرية وكأنه يتعرض لزحزحة قوية بفعل ذلك المناخ البغدادي المتمثل في الثقافة والشعر وقلق التغيير. * شقيق للشاعرة نازك الملائكة يقول إنها كانت تستحضر الأرواح الصحف, الأخبار, الأخبار الثقافية, المملكة العربية السعودية, 2000 - 2010. الشرق الأوسط + شقيق للشاعرة نازك الملائكة يقول انها كانت تستحضر الأرواح 3 ديسمبر 2003 لندن: كمال قبيسي. يقول شقيق للشاعرة العراقية، نازك الملائكة، المقيمة منذ 11 سنة في القاهرة، انها كانت تعقد جلسات تحضير للأرواح في بغداد لاعتقادها بالتقمص والروحانيات، وهو شيء لم يكن معروفا عن الأديبة الموصوفة برائدة القصيدة الحرة من قيود النظم والبحور، ولم يتطرق إليه أحد ممن كتبوا عنها طوال 50 سنة، لذلك رغبت «الشرق الأوسط» بأن تتحرى الأمر منها شخصياً. لكن الاتصال بنازك الملائكة صعب حقيقة، فهي تعيش في عزلة تامة عن الدنيا والناس في ضاحية مصر الجديدة بالقاهرة، إلى درجة أن المقرّبين منها بالذات باتوا لا يعلمون عنها شيئا بالمرة، لأنها أسيرة علل طوتها طوال 3 سنوات مضت بشكل خاص في البيت، ومعظمها من مضاعفات مرض الباركنسون، المعروف بالشلل الرّعاش، الملازم لحالة اكتئاب تنتابها أحيانا فترفض معها حتى الرد على الهاتف أو استقبال أحد.
وسألت «الشرق الأوسط» من يصفونها بمقرّبة منها في القاهرة، أي الدكتورة العراقية فريال عزول (=غزول)، المقيمة منذ 20 عاما هناك، حيث تعمل أستاذة بالجامعة الأمريكية في مجال تخصصها، وهو الأدبان الإنجليزي والمقارن، فقالت من هاتف بيتها إنها لا تعلم عنها شيئا «بل أنا لم التق بها إطلاقا، برغم أني كتبت عنها الشيء الكثير. كما لا أعرف في أي حي تقيم. أسمع أنها مكتئبة ومريضة ولا تقابل أحدا، فلا تتعب نفسك. لكن حاول مع ابنها البرّاق، فهو يقيم معها. أما عن استحضار الأرواح فلم أسمع بهذا الخبر قبلها، وكله جائز. وذكر البرّاق (نجل نازك) وهو مدرس الإنجليزية بالجامعة الأمريكية في القاهرة وما زال عازبا وعمره 40 سنة، أنه يعيش مع والدته في شقة من 3 غرف نوم ليرعاها ويهتم بها «ويبدو أنها مهمتي في الحياة، وأنا راض بها وأراها أمانة تركها الوالد» مؤكدا أن والدته لا تعاني من ضائقة مالية «لأنهم جمعوا منذ عام دواوينها وكل ما كتبت في مؤلف واحد من 4 أجزاء» وتعيش على عائداته كما يبدو، إضافة إلى ما بقي معها من 40 ألف دولار قبضتها لفوزها بجائزة »بابطين الشعرية» قبل 8 سنوات * ظاهرة التكرار في شعر أبي القاسم الشابي الدوريات المحكمة, العلوم الاجتماعية, التعليم, المملكة العربية السعودية, 2000 - 2010. وزارة التربية والتعليم المملكة العربية السعودية + د. زهير أحمد المنصور استاذ مشارك بقسم النقد والبلاغة - كلية اللغة العربية - جامعة أم القرى. وتشير نازك الملائكة إلى هذه الظاهرة في الشعر العربي وبينت أن التكرار في ذاته ليس جمالاً يضاف إلى القصيدة وإنما هو كسائر الأساليب في كونه يحتاج إلى أن يجيء في مكانه من القصيدة وأن تلمسه يد الشاعر تلك اللمسة السحرية التي تبعث الحياة في الكلمات، لأنه يمتلك طبيعة خادعة فهو على سهولته وقدرته في إحداث موسيقي يستطيع أن يضلل الشاعر ويوقعه في مزلق تعبيري، فهو يحتوي على إمكانات تعبيرية تغني المعنى إذا استطاع الشاعر أن يسيطر عليه ويستخدمه في موضعه وإلا فإنه يتحول إلى مجرد تكرارات لفظية مبتذلة. كما أشارت إلى أنواع التكرار وحصرتها في تكرار الكلمة والعبارة والمقطع والحرف وترى أن أبسط أنواع التكرار تكرار كلمة واحدة في أول كل بيت من مجموعة أبيات متتالية في قصيدة، وهو لون شائع في شعرنا المعاصر، يلجأ إليه صغار الشعراء ولا يعطيه الأصاة والجمال إلا شاعر موهوب حاذق يدرك المعول لا على التكرار نفسه وإنما ما بعد الكلمة المكررة. * المرأة الناقدة في الأدب العربي الدوريات المحكمة, علوم اللغة العربية, الأدب, المملكة العربية السعودية, 2000 - 2010. وزارة التعليم العالي + المرأة الناقدة في الأدب العربي د. محمد أحمد المجالي استاذ مشارك - قسم اللغة العربية، جامعة مؤتة - الأردن)...
وتقف في مقدمة الناقدات في هذا الاتجاه نازك الملائكة التي شكلت بأعمالها النقدية ثقافة شاملة حين درست مجموعة أعمال مسرحية وروائية وشعرية وقصصية لتؤكد أن المرأة ليست أقل ثقافة من الرجل، وأنها قادرة على التصدي لك الأعمال الأدبية، ومن أبرز الدراسات التي قدمتها نازك في هذا المجال: - أ - الحب والموت في شعر ابن الفارض. ب - الجانب العروضي من مسرحية شوقي ج - ملامح عامة في شعر إيليا أبي ماضي. د - إيليا أبو ماضي في ديوانه الجداول. ه - الصومعة والشرفة الحمراء. و - مسرحية «الايدي القذرة» لسارتر.. ز - مسرحية »السلطان الحائر» لتوفيق الحكيم. ح - مسرحية «يا طالع الشجرة» لتوفيق الحكيم. ط - رواية «الخندق الغميق» لسهيل إدريس. ي - رواية »عبث الأقدار» لنجيب محفوظ. ك - رواية «الشيخ والبحر» لآرنست همنغوي. نقد المرأة لذاتها وهذا النوع من النقد يكاد يكون قليلا في الحركة النقدية العربية بشكل عام. ولعل الناقدة الوحيدة التي انفردت بهذا النوع من النقد هي »نازك الملائكة» التي تعرضت بالنقد لقصيدة شعرية خاصة بها بعنوان »أغنية لطفلي» وقد دفعها لذلك ما كتبه عنها الأستاذ عبد الجبار داوود البصري تحت عنوان »الطفل في الشعر العراقي الحديث «علما بأنها لم تكن سابقا ترد على النقاد إيمانا منها بحرية النقد واحتراما لمهمة الناقدة، تقول نازك: »وكان موقفي هذا ولم يزل يصدرعن إيماني بحرية النقد واحترامي لمهمة الناقد، ولذلك لم يحدث عبر ثلاثين عاما من حياتي الأدبية أن اشتبكت مع باحث أو دارس في حوار مطبوع، فأنا اقرأ ما يكتبون عني واستمتع به أو أضيق. فلا اكتب ردودا ولا تعليقات، بحيث أصبحت هذه ظاهرة معروفة عني في مختلف الأوساطا لأدبية.. وفي موقع آخر تنتقد نازك الملائكة ذاتها بكل موضوعية وتجرد معتذرة عن بعض الآراء التي اتخذتها بشأن الشعر الحر في كتابها »قضايا الشعر المعاصر» حيث تقول: »في عام 1962 صدر كتابي هذا في طبعته الأولى، وكنت قد أوردت فيه كل ما استطعت الوصول إليه من قواعد الشعر الحر ومسائله، ولذلك لم احتج إلى كتابة مقدمة له، أما الآن وأنا أصدر الطبعة الرابعة منه، فإن اثنتي عشرة سنة قد مرت على الشعر الحر بعد وضعي لقواعده ودراستي لمسائله، وهذه السنوات قد جاءت بنقد كثير للكتاب، وقد أثار النقاد تساؤلات متعددة حول بعض آرائي فيه، بحيث أجدني مضطرة إلى أن اكتب لهذه الطبعة مقدمة أشخص فيها موقفي من الشعر الحر تشخيصاً جديداً. ذلك أن المد العظيم من القصائد الحرة الذي غمر العالم العربي قد استثار عندي آراء جديدة، وأعطاني فرصة لاستكمال قواعد الشعر الحر أو على الأقل للإضافة إليها وغربلتها، ثم إن طائفة من القواعد التي وضعتها أصبحت تبدو لي على شيء من التزمت لأن سمعي نفسه قد تطور.
الولايات المتحدة