الصحوي (الجاد في ذاته / المتوجس من غيره)
كان مشهد قاعات الجامعة (1987/ 1407) مثيرًا جدًا، فالشاب الملتحي وقصير الثوب صار جديًّا وصارمًا في نظراته وفي مسلكه، وصار يقرأ بنهم ويجادل بثقة ولم يعد يقيم فاصلاً بينه وبينك، بل يجنح لنصحك وقد يشعرك بأنك مقصر وربما يوحي لك بأنك في طريق آثم، وأنه هو من سيدلك على الطريق. بدأ هذا تلميحًا ثم تطور ليكون مواجهة، وقد يتلطف معك من هو تلميذ لك لكنك سترى صرامة من آخرين يستوقفونك في الممرات أو في مواقف السيارات، وكم استوقفني بعضهم لمدد تطول حتى لأتأخر عن عودتي للمنزل وتحمسني الشمس ورطوبة جدة، وكل هذا في نقاش حماسي تتكشف فيه شخصية طلابية لم نعهدها من قبل، صرامة وجراءة وثقة بأنه محق وأنا مبطل بالضرورة. هي جدية الطالب الصحوي من جهة وشكوكيته بنا من جهة ثانية، وهما مظهران يوتر أحدهما الآخر بين إيجاب وتوجس، وظل هذا هو القانون السيميائي لصورة الصحوي ثقافيًّا وذهنيًّا (الجاد / المتوجّس)، جاد في كل شأنه لكنه متوجس من كل مختلف ومخالف. ذاك هو الحشد بعناوينه الظاهرة لنا، وسيتقوى أثر السمة الثانية لاحقًا، وستكون حاسمة ومصيرية وسوف تقرر مصير الصحوة بما أن التوجّس من الغير صار قانونًا ذهنيًّا ثم أصبح نقطة حسم نهائي.