أشعر أن جسدي تتوسطه هوة تتموضع بين الرقبة والسرة. رأسي يتكئ على كتفين يمسكهما مغناطيس الجذر ويمنعهما من التحليق. فراغ مهول تعبره يداي وتجوسانه ولا يملؤه إلا الهواء. لا يسعني أن أحضن أحدا ولا يمكن للآخرين أن يضموا مخلوقا نصفه مفقود.
ينبض كائن ما وسط هذا السديم، أشعر به ولا أملك أي دليل على وجوده. يرجف أحياناً ويبعث في أوصالي رعدة موحشة.
الطبيب الوحيد الذي استشرته نصحني: لا تنزع ثوبك أبداً ولا تنس أن تتخيل أنك إنسان.
تركيز
تخيل نفسك مكاني! جار أمنيتي هنا ومارس لطفك. أنت تريد أن تكتب قصة قصيرة، لا هاجس يشغلك ولا حالة تتلبسك. أنت فقط تريد أن تبدأ الكتابة والأمر لا يتأتى لك. ماذا تفعل؟
افترض أنك الصديق الطيب رقم واحد. أنا سأتقمصك الآن وعلى لسانك سأقول: القطة السوداء التي تحوم بالغرفة هي البطل. لكن مهلاً! أهي قطة أم قط؟ علينا أن نتأكد من ذلك أولاً.
الأمر سهل ولا أظننا سنجهل العلامة.
يدخل الآن الصديق الطيب رقم اثنين. نسمعه يتحدث: لنجعلها قطة، لا حاجة ماسة للتقليب والاختبار، الحكاية خيالية والغاية جر الحرف للكلام. هذه المخلوقة تطوف بالمكان، لماذا؟ علينا أن نحشد الاحتمالات أو نختار مفارقة لافتة.
جميل أيها الأصدقاء، قبضنا على طرف الخيط. سأمضي الآن للحكاية.
خدعة
لم تتوقف عن التمسح بساقي. تلك السوداء ذات الجسد الجميل والصوت الناعم لم تفارقني هذا المساء. تمشط شعرها على شوك جلدي وترسل متعمدة نظراتها الحنون الصامتة لتبدد وحدتي.
كنت على وشك حملها ووضعها في حجري، اشتهيت الشعور بدفء قربها. نفرت مني وآوت إلى الركن. تبدلت نظرتها وتحولت لنظرة غاضبة معاتبة، هكذا شعرت. جثوت على أربع وحبوت ناحيتها، انتصبت على قدميها وجرت مسرعة ناحية الباب. سمعتها تصرخ بقرف وهي تقفل القفص: لا أمان مع هذه الحيوانات.